بين ثنائيات التخلف والتقدم، والرقي والتدهور عشنا زمناً غير رغد؛ ظننا فيه أننا نقتسم ضفتين متوازيتين لا يمكن أن تلتقيا؛ وهنا إغفال متعمّد لعوامل المراجعة المرتبطة بمحددات الزمن المختلف؛ فكما تتمرحل أفكارنا بين الشباب والكهولة والشيخوخة فتختلف اشتداداً وارتداداً، فإنّ الفكر يعيش حالات المراجعة وفقاً للمتغيرات.
** التاريخ لا يفسره قانون واحد، كما هي نظرية (ماكس ويبر)، وطريق النصر الذي تبحث عنه الأحزاب والأنظمة والأفراد ولم تجده رهن بوعي التنازل عن وهم التفسير الأوحد لحركة التاريخ.
** عشنا تداعي التيارات، وتعددية الافتراضات والنظريات، وظلّت المشكلة ابتسار حوادث التاريخ، وحقائق الجغرافيا، وسنن الكون الإلهية، ولجوء بعض الأدلجات إلى استعجال النتائج؛ ما أوقعها في مآزق الحسابات الخاطئة، والعداوات المعلنة والمستترة، وافتراض نظريات الاستلاب كما المؤامرة.
** وفي هذه الأيام يعيش التيار (الإسلاموي)، وتحديداً السلفي فيه، حالة مراجعة دائبة طالت بعض ما اصطلح على التسليم به زمناً نحسبه طويلاً، ويظن بعض مناوئي هذا التيار كما مؤيديه أنّ في ذلك فرصة لمن شاء التربص والاصطياد والمهاجمة، متوهمين أنّ ما يبدو انشقاقاً بين الرموز مقدمة لتفككه وانفضاض السامر من حوله.
** الحقيقة أنّ هذه المراجعات علامة صحة وحيوية داخل المؤتلفين، وهي سبيله لتفهم الرأي الآخر داخله، وبخاصة إذا أدرك المعنيون فيه أنّ المرجعية التي دانت زمناً لمكان محدود، بدأت تتخذ مرجعيات نائية عن المشهد السائد.
** في الذاكرة البعيدة عاب شاعر على أناس من بني قومه كونهم (مخلفين الطبيعة، حريمهم ورجالهم بالمبيعة)، وربما غادر الدنيا قبل أن يرى الأسواق المختلطة؛ فكذا هداه فهمه، لكننا نعجب - بعد مرور عشرات السنوات - من يحمل عقل ذلك الشاعر البسيط، ليجيئ الموضوع ذاته مكرراً التجاذبات، ومنبئاً أنّ المراجعة والتراجع عاملا قوة يؤكدان صحة التوجه مهما اختلفت الوجهات، إذا لم يقع المختلفون في معادلة الحقيقة الأوحد لطرف دون سواه، كما ظن شاعر عامي عابر.
** المنتجات الفكرية تتباين في مساراتها، ثم تلتقي، والمشكلة في متأزمي تلك المسارات ومتطرفيها الذين يريدون قسر الناس في اتجاهات إجبارية تنتهي بطرق مغلقة، والحياة ليست ثباتاً دائماً بل وثبات متصلة، وجامعة الملك عبدالله، وتدريس الصفوف الأولية في مدارس البنات أمثلة جميلة على ما يمكن أن يفرزه الحوار داخل التيار الواحد، عدا قيمته في رسم معالم التنوع الثقافي تبعاً لمعطيات الأزمنة والأمكنة والمجتمعات.
** التحول لغة الأحياء.
Ibrturkia@gmail.com