كان لا بد لخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أن يتخذ قرار إلغاء الحكم التعزيري في قضية (روزانا اليامي) العاملة في محطة (الإل بي سي) اللبنانية، وإحالة القضية إلى لجنة المخالفات الإعلامية في وزارة الثقافة والإعلام؛ فإن جهة الاختصاص المخولة (حصراً) لفض المنازعات الإعلامية هي وزارة الثقافة والإعلام. فالمحكمة الجزئية في جدة ليس من اختصاصها النظر في مثل هذه القضايا ابتداء.. وكون المحكمة الجزئية (تجاوزت) اختصاصها، ونظرت في قضية ليست تحت ولايتها حسب نصوص النظام؛ فهذا في حد ذاته كاف ٍلإلغاء الحكم؛ فما بني على باطل فهو باطل. الملك أو من ينيبه هو من يمنح الولاية أو (الاختصاص) للقاضي حسب مقتضيات الشريعة الغراء، وله كذلك تقييد هذا الاختصاص في قضاياً جزئية مُحددة، غير أن قاضي المحكمة الجزئية في جدة ضرب بهذه الاعتبارات عرض الحائط، و(تعدى) ما رُسمَ له، و(تجاوز) حدود ولايته، و(أعطى لنفسه) الحق في الفصل في مثل هذه القضية رغم أنه، وكذلك المحكمة التي يمثلها، ليسا بجهة اختصاص حسب النظام.
نظام المطبوعات الصادر بمرسوم ملكي أعطى صلاحية (الفصل) في قضايا الإعلام للجنة متخصصة في وزارة الثقافة والإعلام للنظر في المخالفات الإعلامية.
تقول (المادة السابعة والثلاثون) من النظام: (تنظر في المخالفات لأحكام هذا النظام لجنة تشكَّل بقرار من الوزير برئاسة وكيل الوزارة المختص، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة، يكون أحدهم مستشاراً قانونياً، وتصدر قراراتها بالأغلبية بعد دعوة المخالف أو من يمثله، وسماع أقواله، ويجوز لها دعوة من ترى الاستماع إلى أقواله، كما يجوز لها الاستعانة بمن تراه، ولا تصبح قرارات اللجنة معتمدة، إلا بعد موافقة الوزير عليها).
وتقول المادة (الأربعون) من النظام نفسه: (يحق لمن يصدر بشأنه عقوبة بمقتضى أحكام هذا النظام، التظلم أمام ديوان المظالم، وذلك خلال ستين يوماً من تاريخ إبلاغه بالقرار الصادر بذلك).
ويُحدد النظام (النشاطات) التي تشملها أحكامه؛ فقد جاء في الفقرة 9 من (المادة الثانية) ما نصه: (الإنتاج الفني الإذاعي أو التلفزيوني أو السينمائي أو المسرحي). وجاء في الفقرة 11 من نفس المادة: (مكاتب وسائل الإعلام الأجنبية ومراسلوها)؛ وهذا يعني أن وزارة الثقافة والإعلام هي المخولة (ابتداء) في التعامل مع هذه القضايا، ولأحد الطرفين بعد أن تقرر اللجنة أن يتظلم لدى ديوان المظالم؛ أي أن هذه القضية لا تدخل ضمن اختصاص المحاكم الجزئية.
النقطة الثانية في هذه القضية - إذا تجاوزنا جدلاً مسألة الاختصاص - عدم تناسب (حكم الجلد) مع التهمة التي ثبتتها المحكمة عليها. فالمحكمة برأتها من أية علاقة مباشرة بالمتهم الأول المجاهر بالرذيلة، غير أن القاضي اعتبرها مسؤولة عن العمل في قناة غير مرخصة، وبالتالي فلا بد من عقابها.. كثيرون تعاملوا مع قناة (الإل بي سي) في المملكة، ومنهم مشايخ وكذلك موظفون حكوميون وأساتذة جامعات وفعاليات ثقافية، وبعضهم تلقوا أجوراً من القناة كما فعلت المتهمة؛ الأمر الذي يستدعي من باب العدالة أن يُعاقب الجميع وليس روزانا وزميلتها، وعندما تفتح باباً مثل هذا الباب فلن يُغلق أبداً؛ وهذا ما جعل الملك يتدارك الأمر، ويلغي الحكم، ويحيل القضية إلى جهة الاختصاص خوفاً من أن تصبح هذه القضية مدعاة لقضايا أخرى.
وختاماً أريد أن أهمس في إذن القاضي الذي تعامل مع هذه القضية وأقول: نحن أيها الأخ الفاضل جزء من العالم، ولسنا نعيش في جزيرة نائية كما تتصور؛ والذي لا يقرأ اللحظة بما يكتنفها من أبعاد سياسية فهو (عاجز) عن تصور عالم اليوم، فضلاً عن أن يتعامل مع قضاياه، وكما يقولون: الحكم على الشيء فرعٌ من تصوره. إلى اللقاء.