Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/10/2009 G Issue 13545
الخميس 10 ذو القعدة 1430   العدد  13545
مكافأة الأمل
ميشيل روكار

 

لقد خاضت لجنة جائزة نوبل مجازفة كبرى حين منحت باراك أوباما جائزة السلام لعام 2009 فحتى لو كان من الواضح تمام الوضوح أن أوباما رجل من دعاة السلام، فإن رئيس الولايات المتحدة يقود أقوى مؤسسة عسكرية على مستوى العالم، والتي ما زالت تخوض الحرب في أفغانستان والعراق؛ وعلى ذلك فإن هذا الاختيار لا يبدو واضحاً على الإطلاق.

سارع بعض المراقبين في مختلف أنحاء العالم إلى انتقاد لجنة جائزة نوبل؛ لأنها لم تكافئ إلا الشعارات والعبارات المنمقة الرنانة حين منحت أوباما جائزة السلام لهذا العام. وفي اعتقادي أن هذا الانتقاد منحرف وفي غير محله؛ وهو بالتالي يشكل خطراً عظيماً؛ فهو يشتمل على إدانة الأمل باعتباره ليس أكثر من مجرد كلمات سريعة الزوال.

ولكن الكلمات في عالم السياسة قد تضاهي الأعمال؛ فالخطاب الذي ألقاه أوباما من القاهرة في هذا العام ساهم، على أقل تقدير، في تغيير مناخ التوتر الذي خيم على العلاقة بين العالم الإسلامي وأمريكا. ولعل الكلمات التي وجهها أوباما إلى إيران لم تثمر بعد، ولكن المحادثات مع إيران استؤنفت وسوف ترسل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مفتشيها إلى المحطات النووية المقامة بالقرب من مدينة قُم والتي كانت سرية حتى الشهر الماضي.

وأيضاً بفضل الكلمات (تصريحين أعقبتهما محادثة) التي تبادلها أوباما مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، تم إطلاق البرنامج الثنائي المشترك لنزع السلاح النووي. ومن المقرر أن تُعرَض نتيجة هذا الجهد على مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في ربيع عام 2010م.

إن الجميع تقريباً يدركون أن الحد من مخاطر الانتشار النووي، ثم التخلص منه نهائياً، أمر ممكن، ولكن تحقيق هذه الغاية لن يتسنى من دون العمل المنسق من قِبَل المجتمع الدولي. ولن يكون بوسع أي بلد أن يدير هذه العملية بمفرده؛ لذا فإن الخطوة التي خطاها الرئيسان أوباما وميدفيديف كانت تشكل ضرورة أساسية، وفضلاً عن ذلك فقد بادر رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، الذي يسعى أيضاً إلى خفض الترسانة النووية البريطانية بشكل ملموس، إلى تأييد هذه الخطوة علناً.

ورغم الصمت، فهناك تلميحات إلى أن الصين تراجع هذه العملية للموافقة عليها. وبطبيعة الحال، لابد أن يكشف الفرنسيون عن موقفهم من مسألة نزع السلاح النووي؛ ففي مثل هذه القضايا الحاسمة لابد أن تأتي الأفعال إثر الأقوال.

ولكن في حين يبدو المستقبل الدبلوماسي لنزع السلاح النووي واعداً، فإن الحال مختلفة بالنسبة لقضايا أخرى. على سبيل المثال، ما زال الحوار مع إيران، ومع المسلمين عموماً، متوقفاً على حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، والذي يؤدي استمراره إلى تلويث الحوار ومنع إحراز أي تقدم.

إن كلاً من الطرفين المتخاصمين في هذا الصراع يظل منقسماً على نحو صارخ؛ ذلك أن الزعامة السياسية في كل من إسرائيل وفلسطين ضعيفة للغاية. وحقيقة أن أغلبية برلمانية في إسرائيل ما زالت تسمح بتوسع المستوطنات - تم التصريح مؤخراً ببناء مئتي وحدة سكنية جديدة على الرغم من تحذير أوباما للحكومة الإسرائيلية -، وهو ما يعني أن هؤلاء الراغبين في تقويض السلام ما زالوا في أوج نشاطهم.

إن إسرائيل باستمرارها في السماح بالتوسع الاستيطاني تترك حيزاً متزايد الضيق لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة، والتي تتطلب أراضي متجاورة وموحدة. هناك شيء إجرامي في إصرار بعض القوى الإسرائيلية على تدمير هذه الفرصة، وشيء مأساوي في عجز بقية المجتمع الإسرائيلي عن منع هذه الجريمة.

كان إيلي بارنافي، سفير إسرائيل السابق إلى فرنسا، قد نشر للتو كتاباً بارزاً تحت عنوان (إما اليوم أو ربما ليس إلى الأبد)، وتحت عنوان فرعي يقول: (الحجة من أجل سلام أمريكي في الشرق الأوسط). تسلط هذه الدراسة الضوء على التدهور الكلي للموقف والصعوبة المتزايدة التي باتت تحول دون التوصل إلى تسوية سلمية. والواقع أن الكاتب يتشبث بالأمل الذي بثه أوباما، وحقيقة أنه على النقيض من سلفيه كلينتون وبوش لم ينتظر إلى العام الأخير من ولايته لمعالجة هذه المشكلة.

في اللحظة الراهنة، أصبحت المشكلة أشد خطورة؛ ذلك لأن وقف التوسع الاستيطاني، والذي يشكل المفتاح الأساسي إلى أي محادثات سلام، ليس مدعوماً في إسرائيل. ونتيجة لهذا فإننا نمر الآن بفترة عصيبة؛ لأن تحقيق الآمال التي أعرب عنها أوباما سوف يتطلب ضغوطاً أمريكية متزايدة على إسرائيل، وهو الموقف الذي لا يحظى بشعبية في داخل الولايات المتحدة، ولكن إن لم يحدث شيء الآن فسوف نواجه فشلاً آخر لا محالة.

استناداً إلى هذا المنطق جاء منح باراك أوباما جائزة نوبل للسلام قبل الأوان؛ لأن شيئاً لم يحدث على أرض الواقع حتى الآن. ولكن من ناحية أخرى لا بد أن ندرك أن هذه الجائزة من شأنها أن تعزز من وضوح الرؤية، والسلطة، والشرعية الدولية للمبادرة الأمريكية. حتى الآن لم يقل كل شيء ولم تستنفد محاولات العمل، وما زال النجاح ممكناً.

لقد جازفت لجنة جائزة نوبل بالكثير، ولكن لعل الأمر يستحق المجازفة؛ لأن السلام الذي بات تحقيقه في غاية الصعوبة لابد أن يتغذى على الأمل.

رئيس وزراء فرنسا الأسبق وزعيم الحزب الاشتراكي وعضو البرلمان الأوروبي.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد