Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/10/2009 G Issue 13545
الخميس 10 ذو القعدة 1430   العدد  13545
على أي ضفة من النهر تقف قصيدة النثر؟ ... لكن هل يجب أن نختلف؟
إبراهيم الخريف

 

النظر إلى الدنيا من زاوية خاصة أمر مسلم به عند البشر، فالمهندس المعماري لا يستطيع كف عينيه ولا تفكيره وهو يمشي في الشوارع ويرى المباني، والأمر نفسه ينطبق على بائع الأحذية حين يدخل إلى المسجد ويرى الأحذية، وبائع الأثاث وهكذا.. كل في تخصصه وابتلي الشاعر والكاتب بهذه النظرة إلى الدنيا ولكن بتوسع أكثر من غيره؛ لأنه يتعامل مع اللغة والأفكار وهذان الأمران يزيدان عن غيرهما أنهما لا يرتبطان بمكان أو زمان، إذا اتفقنا على هذه النظرة التي استودعها الله فطرياً في البشر فلابد أيضاً أن نتفق على أن هناك محرضات لهذه النظرة وأساسها هو البحث عن الجمال، تماماً مثلما أن البحث عن الجمال أمر فطري أيضا في الإنسان، والفنون وجدت من أجل صنع وإظهار واكتشاف وإعادة اكتشاف الجمال.

ونحن نتفق أيضا على أن معايير الجمال تختلف من إنسان إلى إنسان، وأن هذه المعايير أيضا عرضة للتغيير والتطوير مثلها مثل أي شيء في هذه الحياة، وأننا لا يمكن أن نوحد تلك المعايير ونلزم الناس بها وأننا كذلك لا يمكن أن نلغي البعد الجمالي والإبداعي في أي شأن من شؤون الحياة وأن نسلبه من الآخرين إذا اتفقنا على تلك النظريات أو الأساسيات البشرية فالصراع والخلاف المستمر الآن فيما يخص الأشكال الشعرية لا يمكن القبول به بناء على الاتفاق المسبق.

فهناك من يرى جمال الشعر في الشكل التقليدي للقصيدة وهناك من يرى الجمال في التفعيلي وهناك من يراه في قصيدة النثر

وإن كان هناك من يشبِّه شعر قصيدة النثر بالألغاز فيجب أن لا ننسى أن هناك من يحب الألغاز ويرى فيها جمالاً يحرض بعض مشاعره

لذلك لا يمكن لنا أن نصادر حق بعض الناس في نظرتهم للجمال الذي يجدونه في قصيدة تقليدية أو تفعيلية أو نثرية.

ومن قال من (الشعراء أوالنقاد أو القراء) بتمسكه وانتصاره لشكل أو أسلوب شعري معين فله كل الحق في ذلك. وله الحق أيضا أن يلغي الجمال والإبداع فيما يخالفه...

له الحق أن يقول مثلاً: (قصيدة النثر ليست شعراً) وللآخر الحق أن يقول: (ولى زمن القصائد التقليدية) ولكن ليس لأحدٍ الحق أبدا في مصادرة حق الآخرين في تمسكهم وانتصارهم لذوقهم ومعاييرهم.

كما أن لكلٍ الحق في أن يدعو ويثابر من أجل إعلاء كلمته وإبطال كلمة المخالف..

ولكن ليس لأحدٍ الحق أبداً في تسفيه وتحقير مواقف وأذواق المخالفين وسلبهم نظرتهم الخاصة للجمال..

وليس له الحق أبداً أن ينقل الصراع من ساحة الذائقة والإبداع إلى ساحة الأشخاص ونواياهم وخصوصياتهم.

الأدب نهر وعلى ضفتيه تتوزع حقول الأجناس الأدبية كلها (الرواية - القصة - الشعر - المقالة - المسرحية...الخ) وكلهم فيه يسبحون، والعجيب أن الضفتين تتصلان ببعضهما حتى أصبح نهرا مليئاً بالجسور، وضفة الشعر واسعة ومتنوعة ومتداخلة، وهذا النهر يصب في بحر - محيط الثقافة والمعرفة ولا ساحل له.

العرب الآن يفتقدون لأي منجز حضاري يمكن تصديره للعالم (والأمل معقود على جامعاتنا وخاصة جامعة الملك عبدالله)، فبدلاً من أن يشتغل بعض النقاد والشعراء في إنشاء منجز أدبي أو في تطوير الشعر كلٌ في حقله (التقليدي - التفعيلي - النثري) صاروا منشغلين في تقويض بعضهم.

والمؤشرات المستقبلية توحي بنتيجتين؛ إما أن يصبح الجدل حول شعرية قصيدة النثر من الماضي كما حصل مع الشعر التفعيلي وتصبح قصيدة النثر أمراً حتمياً ومعتاداً، وإما أن يصبح الشعر بكل أشكاله أمراً هامشياً في الممارسة الإنسانية.

فلا وجود إذن لمعركة لابد فيها من فائز ومهزوم أو رابح وخسران بل نحن في ميدان تنافس الجميع فيه فائزون، والجميع فيه على حق.

هذه هي المسألة بكل بساطة، فالنهر يتسع للجميع.

حتى وجهة نظري - محاولتي هذه وما حوته من رؤى وكلمات ومفردات تظل المشاعر تجاهها واكتشاف الجمال بها أمر نسبي يطاله الاختلاف.

((أنا صح وأنت خطأ))... ليست (خطأ).

و((أنا صح وأنت لست مخطئاً فحسب بل يجب عليك أن توافقني.. وتتبعني..))...هي الخطأ.

والصح حتماً في:((ذوقي - رأيي صواب يحتمل الخطأ؛ وذوقك - رأيك خطأ يحتمل الصواب)) والميدان يا حميدان.

هكذا بكل بساطة

هل هي فعلاً بهذه البساطة؟؟!!



imibrahemm@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد