Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/10/2009 G Issue 13545
الخميس 10 ذو القعدة 1430   العدد  13545
الجانب الآخر
د. إبراهيم بن عبدالرحمن التركي

 

شهادتي فيه مجروحة؛ فهي شهادة محب قريب، تجيء موضوعيتها من عدم حاجته لها، أو اضطراري إليها، لكنها تكتسب قيمتها من وجود نموذج نادر، يؤمن أن السلوك ثقافة، مثلما أن الثقافة سلوك؛ فلم يزدوج شخصا أو موقفا، وحق الجيل الناشئ أن يطلع على رموزه الجميلة، التي لا تكتفي بالقول، بل تصدقه بالفعل.

** عبدالله الغذامي، وهو العالم الكبير، تقاعد من التدريس الجامعي، وعرض عليه التعاقد معه، كما هو حقه في النظام، بل وحقنا في استبقاء أمثاله، لكنه - لوجه العلم- اعتذر عن ذلك، وطلب -بنفسه- أن يقوم بتدريس مادتين (مجانا)، مدفوعا بسلوك العلماء، ولكم أن تخبرونا عمن يرفض (راتبا مجزيا جدا)، ثم يقوم بالعمل ذاته دون مقابل، وإذا وجدتم مثل هذا الرجل فحقه أن نعلن عن احتفائنا به ليراه الجميع قدوة نادرة في زمن عزت أمثلته.

** الغذامي اعتذر عن وظائف قيادية في الجامعة وفي الدولة، ومنها عضوية مجلس الشورى، لأنه عالم ويريد أن يظل عالما، ولم يقبل أن يأخذ مكافأة (مستشار) في إحدى الوزارات لأنه لم يقدم ما يقابلها، ولم يأذن لنفسه ببدل (الحاسب الآلي) لأنه لا يوظفه في تدريسه، مع أنه يعرف فيه ويطبع مقالاته وأبحاثه به، وبالمناسبة فهو ليس من ذوي رؤوس الأموال، ولا علاقة له بإرث عائلي أو سوق أسهم أو عقارات.

** الغذامي يرهق نفسه لقضاء حوائج الناس ممن يقصدونه، وتؤرقه أوضاع بعض من يحتاج إلى شفاعة حسنة؛ فيبذل ما يستطيعه، بل إنه يبادر لعرض الخدمة حين يرى فيها حقا لطالبها، وهو نفسه من يتابع حالة أصدقائه ومعارفه حتى المتوعكين ولو ب(فلو) عابرة، ثم لا يدري أحد عما يعانيه إلا مصادفة، محتسبا الصبر، ومنتظرا الأجر، ومقتنعا أن في المرض ما يكسر غرور الإنسان ويعيده إلى ضعفه الذي ابتدأ منه ويؤوب إليه.

** أبو غادة صاحب موقف؛ فلا يجامل ولا يخاتل، وليس لديه مجال للمساومة على مبادئه، ولو خسر الناس كلهم، كما هو متسامح مع من أساؤوا إليه، ويوما ما سيكتب سيرته، وسنعرف أنه قد واجه - بين ما واجه - من أراه وجها وأدار له ظهرا وسعى لمنعه من الانتقال إلى جامعة الملك سعود، وحال نبل الغذامي عن التصريح بأسمائهم، وهو نفسه الجاد الحاد، الشامخ المتواضع، صاحب البديهة الحاضرة والطرفة المنتقاة والذاكرة المستوعبة.

** وقبل ذلك وبعده؛ فتدينه نموذج للالتزام الجميل، لكني لن أفيض فيه؛ فهذا حق ربه ونبيه ودينه.

** هذه الكلمات لا تفيه بعض حقه؛ لولا أن أمامنا جيلا ناشئا يحتاج إلى نماذج زاهية، وليس أزهى من هذا الإنسان الكبير علما وخلقا.

** معلومات عابرة عرفها صاحبكم بالمصادفة؛ فشاء أن تكون مثالا لنشر القيم المتوارية، وليعبر بلسان كثيرين عن فخرنا أن عشنا في زمن الغذامي، حفظه الله لنا أستاذ درس ونفس.

** التميز معاناة ومعنى.



ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد