Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/10/2009 G Issue 13545
الخميس 10 ذو القعدة 1430   العدد  13545
صورة غير نرجسية لمدمن!
رمضان جريدي العنزي

 

في العقد الثالث أو يكاد، لا هو بالضئيل ولا هو بالسمين، هو فاصل بين النحول وبين البدانة، أشعث أغبر رث الثياب، أحرقته جمرة المخدرات حتى عاد بلا عقل ولا صواب، وجل متوجس، يندفع بلا هدف، ولا يقيس المسافات، غامض مثل مقبرة، يفتش عن الأشياء لكنه لا يجدها، طريقه مليء بالحفر وبالنتوءات، أدمن المخدرات، حتى عاد أصفر مرتعشاً بلا أسنان، في وجهه الأتربة وغبار السنين، ثمة ظلمة في وجهه، يدور في ذات المكان، لديه هلع ووحشة، في نظراته انعكاسة مستكينة، له رائحة مفزعة، وأظافر تسكنها القذارة، لا يعبأ بعنفوان الحياة ولا بطهارة الجسد، في وجهه المكفهر بقع داكنة، وشعيرات خفيفة، تشبه أعواد نبتة برية أضناها الظمأ، مذعور لديه حيرة ووجل، الوهن يدب في أوصاله، متوجس، يحب تتبع أسراب النمل والصراصير والذباب، هلع مسكون برعب يجتاحه كل حين، لا هو حي ولا هو ميت، له مرارة وصمت وشرود ذهن، الحياة عنده تتوالى برتابة، الأمراض سكنت جسده، حتى أصبح مثل ريشة في مهب الريح، يسكن في غرفة بائسة عتيقة، جدرانها صلدة، وأرضيتها متربة، وسقفها من قش، ينام فيها منزوياً خلف مصيبته، تتعاقب عليه الظلمة والضوء، يضيق صدره بالناس وبالمكان، يسعل حتى التقيؤ، له هلوسة وتمتمات وحركات مبهمة غامضة، منهك تعب، لعينيه جحوظ، ولشفتيه تيبس وحتى يديه لها ارتعاشات مجنونة، وفي نفسه قنوط واكتئاب، منشغل في حياته المبعثرة، ينظر إلى وجهه الذي يعلوه الغبار من خلال مرآة صدئة خربة، يشيح جانباً ثم ينتحب، في نفسه وحش رابض، الموت عنده قيد أنملة أو أقل، الصورة غير مكتملة عنده، ثمة انفعال يغدو بين أطراف جسده المنهك، وثمة عواطف ضايقها الزحام والصدأ، الحزن عنده شظايا زجاج جارحة، أصبح الإدمان عنده مثل ماء يشربه في وعاء، تأثير المخدرات يشعره ببعض الخدر، لكن هذا الخدر لم يحل دون إحساسه بالألم الآخذ بالاشتداد، حياته لها عتمة وليس لها ضوء، ربما هو خريف عمره المبكر يتجهم عليه ويتهجم، يتمايل تحت مزن النار، تمر عليه شظايا من لهب، يحاول أن يفيق مثل سنبلة في ساقية ماء، لكنه يهبط متأرجحاً بين الحلم وبين الخيال، توقظه الشمس، لكن تدمغه الحقيقة المرة، هذا الثلاثيني أو الذي يكاد، أصبح الآن كالغراب عبداً مطيعاً لجيفة المخدرات تاه في عالمها الأعمى، وأصبح مثل الذي اشترى لنفسه بوقاً فضاع في غياب العزف الشجي، فابتكر لحناً مثل صفير الرياح.

إشارة:

مثلما يجتهد العلماء والأطباء من كل أطراف العالم منذ عقود للبحث عن علاج ناجع وفعّال لكافة الأمراض الخطيرة والمستعصية، على قوى العالم الإنسانية الحية أن تلتقي وتتشاور للبحث عن عمليات عاجلة لاستئصال المخدرات التي هي آفة القرن ووبائه.



ramadan.alanazi@aliaf.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد