Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/10/2009 G Issue 13545
الخميس 10 ذو القعدة 1430   العدد  13545
حاطب ليل ضجر.. إحساس تلقائي
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

مع الحياة ومنها وبقوة الاستيعاب ومرونته ووفرة المصادر فيها يكتسب المعارف مَنْ أمعن بصيرته وأرهف السمع وحاول منها أن يتعلم ومَنْ فعلها ورد الفعل أن يحلل ويُدرس فيغتنم الفرصة حين تتكلم الحياة ويتعظ بالنتائج التي تأتي بها وكثيراً مِنَ المواقف فيها ..

وإن كانت بعض معطيات الواقع مزيج بين الخطأ والصواب والحظ حين تمطر سماؤه والجهد حين يُفعَّل ومَنْ يتابع بجهد الوعي ولم يخطئ الهدف نحو الوجهة التي يسير من عليها تعلم ما لا يعلم حيث تكشف الحياة الغطاء عن معينها الذي لا ينضب، ومَنْ يعيشها وهو معني بالاستنتاج ويملك وسائله كالوعي والفهم التلقائي فإن الاندماج معها بالقدر التي هي عليه يحقق نسباً وصلة بتلك المدرسة الكبيرة الواسعة حيث إنها منهل علم غير محدود وبالذات حين نزحزح الملل ولا تضيق صدورنا من النتائج إذا أتت ومهما كانت نمنحها قدرة التفاعل والاستنتاج منها فإنها لا تغض البصر عن فعل متى أقدمنا عليه ولا الصدر منها يضيق بإلحاح السؤال بل يجد إجابته فتلتقطه رهافة السمع وقوة البصر كما أنها تعشق الأذكياء وتعطي ما يزيد به رصيد المعرفة وإن تألم طلابها من بعض صدماتها.

إن طبيعة السؤال والمعنى فيه هو بعدٌ في الجواب والوسائل التي بها تلحق الإجابة من كنوز معارفها والثرية بها إنه عمل شاق ولكنها الحياة فهي المدرسة الأولى وستبقى كذلك حتى وإن جاورها مدرسة أو جامعة. ومواد الجامعة أو المدرسة هي من ألقى الضوابط عليها وأبان أسرارها للناس فالغنى أو الفقر في معارف الإنسان، للحياة الدور المؤثر وليس للإنسان إلا ما سعى ومجال سعيه من على ظهر الحياة فأحياناً تصيب الخطوة بما يحقق الرجاء وقد يقصر بها المدى أحياناً وقد جاء في النص ما يلي:

كم فكرت أن أذهب إلى إحدى الجامعات في هذا العالم وأقف على بابها بشيخوختي، أمد يدي متسولاً المعرفة تسول شيخ لم تبق له الحياة من معين في سن فتل الزمن فيه أغلظ القيود على قدميه! ولكن حارس الجاعة سألني من تكون؟ أأنت واحد من الأساتذة؟ أأنت واحد من الآباء لطالب من الطلاب؟ أأنت خبير في معملك؟ أم أنت غريب جئت زائراً فآذن لك بالدخول؟ تبعثرت الكلمات في خاطري وتصاغرت أمام حارس الجامعة، فكيف بي لو تجاوزته؟ سألت نفسي أهذه هي الدنيا؟ أهذا هو الكون؟ رفعت رأسي إلى السماء، فإذا شمس الضحى قد تعالت في فلكها فظللت واقفاً أنتظر انحدارها إلى مغيبها لعل ظلام الليل يلبسني رداءة فأعود من حيث أتيت، لا أحد عرفني ولا عرفت أحداً! ولكن الليل لم يكن الذي يطارد الشمس ويلبسها، فالليل لا شمس له في رجل ظن أن الجامعة وحدها هي الضوء، وليس نفسه، وماذا أتعلم؟ أأتعلم مهنة أقف عند حدودها؟ أأتعلم لأكون سباحاً في هذا الفضاء بخيالي؟

تساءلت، ثم مشيت هائماً على وجهي، فإذا الحياة توقفني وتقول لي: لا تغالط نفسك ولا تطاول الطويل، ما أوتيت أيها الإنسان من العلم إلا القليل، تساءلت: ما هو حظي من هذا القليل؟ فالجامعة لم يبنها النفط إلا بعد أن شابت لمَّتي، تساءلت وكانت الحياة معلماً لم يضق صدره ولم يمش في الأرض مرحاً، لأن ورقة الجامعة في جيبه، قالت لي الحياة: لكل إنسان قدم من الذهن ومن الوعي يستطيع أن يمشي عليها، وإذا مشى فلن أكسر قدمه ولن أقول له قف، فهذا الكون بكل ما فيه من طالع ومشرق هو معلم، ولكن غالبية البشر ظنّت أن العقل وأن الوعي وأن الذهن هم من أثاث الجامعة، وهو ظن، رسالتي أن أنبّه إليه، حتى لا يقف كل إنسان وقفتك منكسر النفس على أبواب الجامعة، فالجامعة ليست إلا الدرجة الأولى من السلم، يصعد عليه الشاب الطموح والموهوب، وأهم من المهنة التي يقف عندها المتخرج في الجامعة، هي الثقافة العامة التي تطل به على التاريخ وعلى الكون وعلى الإنسان وعلى الدين وعلى ما هو قائم أو متعثر في هذه الحياة.

وباتصال النص يقول المؤلف:

ومثقف العصر، لماذا نحمل على وعيه وعلى كفه دوراً تتلاعب بالألفاظ فيه غيوم طردتها الرياح وأفسحت للشموس والأقمار عنده الدروب التي لا يضنيه السير عليها.

ويضيف: ولكننا رعاة الإبل وجوابئ الصحراء حين قال لنا النفط تحولوا عن ظهور جمالكم وخيولكم وادخلوا في بيوت الحضارة وأدخلوا فيها ثقافة الحضارة يوم فعلنا هذا وصرنا على درجات السلم، هل رفعتنا أقدامنا؟ وإلى أين لا أدري! ولكنني أرحم مثقف العصر وأشفق عليه.

ويستمر النص معبراً نابضاً بالحيوية فحصنها الزاخر بالمعرفة والعلم يبدأ مع الباب الأول لجامعة الحياة والإنسان ومن يدلج العتبات فهو في رحاب ما تضاهي به كل الجامعات لمن استوعبها, وله الحق أن يطرح التساؤلات فترد بالإجابة لتزيد الوعي وتغني التجربة فيعود إلى مسالك الطريق مطمئناً مستقر النفس وهادئ الأنفاس.

من هو مثلك ينطق الحجر الصلد فيتكلم ويلقي دروسه ورائع منك الإصغاء والاستيعاب، إن من أسس الجامعة وقبلها المدارس على اختلاف أنواعها هي مدرسة الحياة والدافع مطلب التخصص وإتاحة الفرصة من خلال علومها المتعددة لتكون مصدر وعي وبصيرة ولكن مدرسة الحياة هي جامعة الإنسان التي تتميز بمعارفها والخبرة والتجارب.

إن قدرة الإنسان على الاستنتاج السليم بهدي من الإرادة والإنصاف سلاح العلم الأول ومن المؤكد أن علوم الحياة وسعة ما فيها تتسع مع قادم الأيام، والاستنتاج رصيد يلزمه بصر وبصيرة وصبر طويل وإلى لقاء آخر مع رسالة أخرى والله الموفق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد