في الوقت الذي تحتفل فيه منطقة جازان، بتخريج دفعات جديدة من طلاب وطالبات جامعتها الفتية قبل عدة أيام، أولئك الذين ناهز عددهم في ظرف عامين فقط الستين ألف طالب وطالبة، يأتي الإرهاب البغيض، من هذه البوابة الجنوبية الكادية، لكي يغتال هذه الفرحة..
. ولكي يخطف البسمة من الشفاه المتعطشة لها، كما فعل ذلك مرات ومرات من قبل.
* إن الفرحة بنجاح الاستثمار في العلم والمعرفة والإنسان، هي فرحة لا تخص منطقة جازان وحدها، ولكنها تثلج صدور ملايين السعوديين والسعوديات في كافة مناطق الوطن، وإذا جاءت من جازان هذه المرة، فلأن جازان - المكان والإنسان - قطعت أشواطاً بعيدة إلى الأمام. جامعتها الجديدة، حديث المجتمع، وحراكها الثقافي والفني، باهر وملفت، وميناؤها القادم واعد، ومدينتها الصناعية، ترفع مداخنها في انتظار آلاف الشبان الجازانيين، الذين ذهبوا إلى أقصى الشرق. ذهبوا ليطلبوا العلم في الصين.
* جاء الإرهاب هذه المرة، في شكل سيارة (جمس) سوداء.. السواد هو اللون الوحيد الذي يعرفه الإرهابيون والمتطرفون والمتشددون في كل أنحاء الدنيا.. جاء الإرهاب عبر بوابة الحمراء في جازان، والعنصران اللذان قتلا في موقع الضبط؛ (يوسف الجبيري ورائد الظاهري)، وهما من قائمة (85 مطلوباً)، التي أعلنت عنها الجهات الأمنية في شهر صفر بداية هذا العام، هذان الإرهابيان، لم يجدا حيلة أفضل من التشبه بالنساء، والظهور بألبسة نسوية، من أجل التحايل والتمويه على رجال الأمن، وذلك باستغلال ما تتمتع به المرأة في مملكتنا المحروسة، من تكريم وحماية، وحساسية الموقف من إيقاف امرأة في نقطة تفتيش؛ عوضاً عن التحقق من شكلها وتفتيشها، وهو إشكال لا بد له من حل، خاصة بعد حصول النساء على بطاقات هوية وطنية، وتكرار التشبه بالنساء، من قبل الإرهابيين في عمليات سابقة، ومن تجار المخدرات، ومن قبل مهربي العمالة غير النظامية كذلك.
* سيارة الموت والغدر، حملت القنابل اليدوية، والرشاشات، والمسدسات، والعبوات والأحزمة الناسفة، وحشوات تكوين وتجهيز لعبوات تفجير، ولم تخلو من آلاف الريالات أيضاً، إضافة إلى ضمائر ميتة كانت على متنها، لثلاثة شبان سعوديين، هدفهم القتل والتدمير، ويسعون للموت، بدل أن يسعوا للحياة.
* قرأت تفاصيل العملية القاعدية الفاشلة، فحمدت الله الذي لطف بنا، من كارثة كانت تتحرك من الجنوب، إلى هدف داخل التراب الوطني - قيل فيما بعد، أنه يمثل منشأة أمنية في الرياض - كم من الأرواح البريئة كانت سوف تُزهق، لو تمكن الإرهابيون من عبور نقطة أمن الحمراء في جازان..؟! وما حجم الدمار الذي سوف يلحق بمنشأة وطنية، أمنية كانت أو اقتصادية أو غيرها، سواء كانت في الرياض أو حتى في جازان نفسها، لو لم يكن رجال الأمن البواسل في نقطة أمن الحمراء، من ذوي العيون الحمراء..؟!
* إن رجال الأمن في هذا المعبر الأمني الحيوي، يستحقون الشكر تلو الشكر، من كل مواطن ومقيم في كل بقعة على أرض الوطن، والشهيد الجندي أول (عامر بن أحمد العكاسي) رحمه الله، ضرب أروع مثال في التضحية والفداء، من أجل وطنه ومواطنيه، فهو حفي بالتبجيل والتكريم بعد استشهاده، ولعل المسؤولين في منطقتي جازان وعسير، يخلدون ذكره، ويرفعون اسمه، على شارع أو ميدان في واحدة من المدن الكبيرة هناك، فهذا أقل ما يمكن فعله لمثل هذا المواطن الشهيد، وليت أنّا نفعل الشيء نفسه، مع بقية شهداء الواجب، من رجال الأمن البواسل في مناطقهم التي استشهدوا فيها، أو ولدوا وعاشوا فيها.
* لقد حال (الشهيد العكاسي) رحمه الله، دون وقوع كارثة محققة على أيدي قتلة فجرة، ومثله فعل من سبقه من شهداء الواجب في أكثر من مكان على التراب الوطني الطاهر، في مواجهات شجاعة خاضوها مع الإرهاب، ومع تجار المخدرات، ومع العابثين بأمن واستقرار الوطن والمواطنين.
* أحيي منطقة جازان، وأحيي أهل جازان، فتعاون المواطنين هناك، وفي كل منطقة من مناطق المملكة، يدعم ويعزز الجهد الأمني، وينمي حالة الاطمئنان والأمان عند جميع المواطنين، وجازان سوف تظل كما عهدناها من قبل، صمام أمان أمني لا يُخترق، فهي التي تقف في وجه الإرهاب والقتل والتهريب المتسلل من طرفها الجنوبي، وهي صمام أمان معرفي وعلمي واقتصادي في المستقبل القريب إن شاء الله، فالأيدي الجازانية التي نعرفها جيداً، تقاوم التطرف والعنف والإرهاب، وتعادي صناعة الموت، لأنها تعودت أن تزرع الأرض وتحييها، وأن تحمل إلى ضيوفها، غروس الفل والكادي والريحان.
assahm@maktoob.com