* بادئ ذي بدء ؛ فإنّ وجود الحرمين الشريفين، في كلٍ من مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهما المدينتان الأعظم والأقدس، ليس فقط عند السعوديين أبناء هذه البلاد المباركة فقط، ولكن عند عموم مسلمي الأرض.. إنّ هذا الوجود الفريد المسجّل على الجغرافية السعودية لوطننا الجميل هذا...
... لهو شرف عظيم، ومنزلة عالية، ومفخرة جلية لهذه البلاد كلها، من مائها غرباً، إلى مائها شرقاً، ومن نفودها شمالاً، إلى ربعها (غير) الخالي جنوباً.
* وجميل جداً، أن يفخر السعوديون كافة، بوجود الحرمين الشريفين بينهم وعلى أراضيهم، وأن يعتزوا بخدمة ضيوف الرحمن حجاجاً ومعتمرين، فمكة المكرمة هي مهبط الوحي، وهي مبعث الرسالة، وهي مهد نبي الهدى المختار - صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه - ففيها البيت العتيق، والأعتاب المقدسة، وهي قبلة أكثر من مليار مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، يتوجّهون إليها بمشاعرهم وأفئدتهم ليل نهار، خمس مرات في صلواتهم المفروضة، ويشدّون إليها الرِّحال حاجّين أو معتمرين.
* إنّ أكثر من عشرين مليون سعودي، هم خدّام لهذا الشرف الإلهي العظيم المتمثّل في الحرمين الشريفين، كيف لا؛ وقدوتهم في ذلك هو ملك البلاد المفدّى، الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يحمل لقب هذه الخدمة الشريفة - خادم الحرمين الشريفين - بعد المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز، فالدولة السعودية كانت منذ عهد مؤسسها الأول، وموحد كيانها، الملك عبد العزيز - رحمه الله - حامية وبانية ومحافظة على الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي التي تجنّد كافة إمكاناتها وطاقاتها، لتنمية وتطوير هاتين المدينتين المقدّستين، وليس أدل على ذلك، من التوسعات العظيمة التي شهدها الحرمان الشريفان طيلة سبعة عقود مضت، حتى بلغت ذروتها في عهد الملك عبد الله - حفظه الله -، فأصبحت مفخرة من مفاخر هذه الدولة وشعبها الكريم.
* إنّ هذا الفخر العظيم، لا يقل عنه فخراً آخر هو كون المملكة العربية السعودية تشكّل معظم جغرافية الجزيرة العربية، فليس هناك دولة في هذه (الجزيرة العربية) توازيها مساحة أو سكاناً أو مكانة، وعندما تذكر المملكة العربية السعودية كدولة قائمة، ووطن موحّد، ثم يذكر معها الحرمان الشريفان وجزيرة العرب، فليس في هذا مندوحة، كون الأصل هو الدولة والوطن، والفرع هو ما انضوى في الأصل، إلاّ أنّ مرضى النفوس في هذا الزمان المبتلى بهم وبأمثالهم، يأبون إلاّ اللغوصة والممارسة السخيفة لغوايات أصحاب الأهواء الذين ظلوا ردحاً من الزمان وهم يعملون على تغريب الوطن وتغييب الوطنية وتنكير اسم الدولة الرسمي، اعتقاداً فاسداً منهم أنّ في مواطني هذا البلد، من سوف ينساق وراء مزايدات ومكايدات من هذا القبيل، وأنّ أيديولوجيا الصحوة التي انطلقت في مشروعها في الأساس من تفكيك البنية الأسرية وصولاً إلى تفكيك البنية الوطنية، سوف تأتي أكلها في نهاية الأمر على حطام وطن كبير وعزيز، ففكرة إلغاء الوطن وتوثين الوطنية، يقابلها كبديل مرسوم تكريس فكرة الأممية الإسلامية المزعومة، وهي فكرة وُلدت ميتة لأنّ القاعدة اللعينة التي حملت لواءها انطلاقاً من أفغانستان في نهاية لم تنضج ثمرتها بحمد الله، اختارت مسارات نارية، لم تبدأها بحادث التفجير في نيويورك، ولم تنته بحوادث القتل والذبح والتدمير في أقطار عربية وإسلامية في عدد من البلدان.
* ومع وضوح الرؤية في هذا الأمر، وما يكتنفه من سفه وحمق بعض المحسوبين على الوسط الصحوي، ممن يكتب أو ينظر أو يفتي من الوسط نفسه إلاّ أنّ هذا البعض ومن جاراه أو داراه، لا يستحي من الظهور بمظهر البوق المأجور للقاعدة، التي تعادي هذه البلاد وأهلها، وتؤذي مواطني هذه البلاد، وتسبب لهم الحرج في الداخل والخارج، فأنت تسمع على الهواء مباشرة مذاعاً أو متلفزاً، وقد تقرأ إلكترونياً أو ورقياً، من يسمي وطناً بحجم (المملكة العربية السعودية) هكذا: (بلاد الحرمين) أو (أرض الجزيرة العربية)، ثم يقع في هذا الفخ أناس ممن يفتون غالباً، عن حسن نية منهم، فلا يردّون على الفرية، ولا يدحضون بالحجة، ولا يوقفون المتجاوزين عند حدودهم، وإنما يسكتون ويتجاوزون عنهم حتى يعتقد السفيه أنّ سفاهته مقبولة عند هذا الشيخ أو ذاك، ممن أفتاه أو سمع منه وردّ عليه.
* لو أنّ مثل هذا النعت الجميل - بلاد الحرمين والجزيرة العربية - يأتي بحسن نية أو يرد بعد ذكر اسم الدولة والوطن الذي نعرفه (المملكة العربية السعودية) لما قلنا شيئاً، لكنا نعرف أنه تصرف ينم عن خبيئة خبيثة لدى القوم، وهو عند المتأسلمين والصحويين والقاعديين والبنلادنيين وأذنابهم عقيدة مجيدة، لأنّ الوطن الموحّد يستعصي عليهم تفتيته، والمجتمع الموحّد يستعصي عليهم تفكيكه، فلا سبيل أمامهم إلاّ العزف على مسمّيات يختلقونها ومفردات يروّجونها وإيهامات يرسلونها ودعاوى باطلة يكرّسونها.
* إنّ الذين يُعلِّمون الأجيال كيف يموتون لا وقت عندهم لتعليمهم كيف يحيون. وبالتالي فإنّ الوطن لا يعني لهم شيئاً، والوطنية في عرفهم غلو في حب زائف أو عبثية لا جدوى منها. فلا غرابة إذن؛ أن نجد منهم من يعادي وطنه ومواطنيه، أو يعتدي عليه وعليهم بكل وحشية.
* وطني.. هو (المملكة العربية السعودية) بلد الحرمين الشريفين من أرض الجزيرة العربية، وأقول لهؤلاء المارقين، في كل وقت وحين، ويقولها كل مواطن سعودي: (الله ربنا، والإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والسعودية وطننا). وكفى.
assahm@maktoob.com