Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/10/2009 G Issue 13530
الاربعاء 25 شوال 1430   العدد  13530
نحو الإصلاح
د. فوزية عبد الله أبو خالد

 

نفتح الصحف صباحاً أو تلاحقنا الفضائيات مساء، بل تدخل مناماتنا تارة على شكل أحلام تصطدم رومانسيتها بقسوة الواقع وجموده وتشوّهات مشاريع التنمية المزعومة فيه بمجرد ظهور شمس النهار, وأخرى على شكل كوابيس تتحالف مع ذلك الواقع المربك لحياة المواطن العادي الذي ليس له حظوات الواسطة ولا الجاه أو المال هنا وهناك على امتداد الوطن العربي

وفي أقطاره المتشظية والمطبقة على رقبة المواطن من كماشة التقسيط إلى كماشة الخدمات الأساسية الرديئة التي جلّ همها أن تتجمّل للإعلام وإن كانت غاية في السوء في حقيقتها منعدمة الفعالية كبطارية ميتة.

وفي المجتمعات كالمجتمع العربي ككل وليس المجتمع السعودي فقط التي ليس فيها ما يحمي الحقوق اليومية البسيطة للمواطن كقضاء معاملة في دائرة حكومية أو يلزم بالواجبات غير (تكفى) وحب اللحى والأنوف إلى أن يأخذ بالتوصية الصلاحية التي انطلقت من السعودية بأن يكون في كل جهاز رسمي إدارة قانونية ومرجعية مساندة تسمع وتنصف كما أوصت بذلك لجنة حقوق الإنسان الرسمية في تقريرها للعام 2008م، وإلى أن تنطلق الجمعيات الأهلية وهي توصية إصلاحية أخرى ويفعل دورها في التعبير عن صوت المواطن كالأمل الإصلاحي بشأن عمل لجنة حماية المستهلك وكالأمل الموعود بقيام جمعيات المهن النقابية لجميع المهن، فإنه ليس للمواطن العربي من الخليج إلى المحيط إلا أن يصرخ ارحمونا وباشروا تنفيذ الإصلاح الذي مضي ما يزيد اليوم على عدة أعوام منذ بدأ الاستبشار به. على أن يكون إصلاحاً للبنى الاجتماعية والسياسية وآليات العمل ومرجعية الاحتكام ولا يكون مجرد إصلاح تجميلي هنا وهناك لبعض واجهات تركيبة الخدمات.

إذاً كثيراً ما يجد المواطنون أنهم محاصرون بالتصريحات من كل حدب وصوب إلى أن بات أصغر موظف من أصغر جهاز جاهز لا يفتح فمه أمام أي وسيلة من وسائل الإعلام إلا ليطلق تصريحاً. تصريحات فضفاضة واسعة براقة غير مجدولة بأي جدول زمني لتحقيق ولو الحد الأدنى منها، يطلقها هذا المسؤول أو ذلك لا فض فوه، تتوسطها صورته التي أخذت له في الغالب قبل عشر سنوات أي قبل أن يصاب بتصلّب العظام وعُصاب الكرسي الدوار وما إليه من شحوم المراتب ومن كلسترول وسكر المناصب. وشأنه في ذلك شأن مؤسسته التي انتهت الصلاحية الافتراضية للوائحها قبل ربع قرن أو يزيد دون تجديد يذكر أو مواكبة للمستجدات إلا بالتصريحات.

- تصريحات عن قرب تحرير القدس والعراق واستعادة الأندلس وصقلية.

- تصريحات عن منح قطعة أرض لكل مواطن متقاعد من قبل مصلحة التقاعد وإعطائه قرض معفى إلا من نسبة مبسطة من الأرباح.

- تصريحات عن تمديد عمر التقاعد لأساتذة الجامعات أسوة بالجامعات العالمية وتقنين إعارة الأساتذة لتكون إعارات بحثية مشروطة بمشاريع بحثية بينة ذات علاقة بالتخصص أو لجامعات عالمية وعربية لأجل محدد.

- تصريحات بتعويض أصحاب الأسهم نسبة من خسارتهم الفادحة التي ضاعت عند الغالبية بفعل اجتماع الجهل والجشع وحس الاسترباح دون التساؤل عن الجدوى الاقتصادية الاستثمارية الوطنية للاستكتتابات التي يرتمي في أحضانها الجميع.

- تصريحات عن تهيؤ طبيب لكل عشرة مواطنين وأسرة في المستشفيات غير حمالات الطوارئ وإيجاد أدوية غير المسكنات في صيدلية المستشفيات الحكومية مع توفير نظام التأمين الصحي بشروط ميسرة لكل موظف حكومي وأهلي.

- تصريحات بشوارع ذكية في أحياء الجنوب وعدم قصرها على حفنة من أحياء الشمال.

- تصريحات وضع نهاية لعهد الشوارع القاتلة بين القرى والمدن.

- تصريحات عن القضاء على الفساد المتفشي بسبب داء الوساطة مع القضاء التام على البطالة والبيروقراطية وتحويل جيزان وعسفان وعبيلة وشرورة وعرعر إلى منتجعات سياحية ومدن جامعية.

- تصريحات تحذيرية لشركات الاستثمار الأجنبية بأن لا تسرح تحججاً بالأزمة الاقتصادية بموظفيها إلى ساحة البطالة بينما نصف أبنائنا صاروا خارج الباب بلا عمل ولا دخل ينخر في أعصابهم الديانة وقلة الحيلة ووساوس الفراغ.

تصريحات بتحولنا من مجتمع ثالث إلى مجتمع أول وباكتشافاتنا الوشيكة للقضاء على إنفلونزا الخنازير والقردة والطيور.

والمحصلة هي أن أما أصحاب هذه التصريحات لا يعيشون معنا على نفس الكوكب الأرضي أو أن أعينهم في أبراج الوظيفة لا تلتقي بعيون المواطنين فهم لا يجلون ولا يتلجلجون في تلك التصريحات التي يطلقونها جزافاً ما دام ليس هناك ميزان للمحاسبة وليس ثمة من يسألهم وفق جدول زمني أي أدراج ريح ذهبت بتصريحاتهم.

على أن المواطن بسلبيته وبلجوئه إلى الأساليب (الاستجدائية) و(الوساطات) أو (التنطيش) للحصول على أبسط حقوقه حتى وإن لم يحتجه أو لم يكن لديه منها إلا وساطة سابع جد أو عاشر جار جزء من هذه المعضلة. فمثلما الحقوق بحاجة إلى حلوق فالإصلاح بحاجة إلى ملاحقة ليتحقق ولو الحد الأدنى منه وإلا فسنظل ندور في دائرة سراب التصريحات ونستبشر فقط حين نقرأ هجائيات د. غازى القصيبي لوزارة العمل ومدائحه الماكرة المرحة للكتاب وهو من دم الاثنين على أية حال. إلا أن ما يقلقل بشكل عام أن التصريحات لا تتوقف بينما لا أحد يرى الكثير من الإصلاحات في غير الأحلام. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد