Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/10/2009 G Issue 13530
الاربعاء 25 شوال 1430   العدد  13530
نحو الإيجابية
عبد الله بن محمد السعوي

 

ليس بمكنة الفرد تجسيد التمتع بالوجود الفعلي ما لم يكن إيجابيا إذ الوجود السوي يتطلب تلك الإيجابية المتمثلة في الإنتاج المثري الذي هو الآخر لا يتحقق من غير تحفيز القوى الخاملة وإيقاظ الملكات الهاجعة. لا ينعم الإنسان في مسيرته

الحياتية ما لم يتجاوز عقابيل السكونية وما لم يطلق العنان لإرادته لتحث خطاها صوب الانعتاق من استعباد الأشياء والتحرر من الاسترسال المتزايد في إرواء الجوانب الغريزية وتغذية الأبعاد البهيمية التي تُفقد من ينساق خلفها مبلورات الانتصار على الذات في منازلة توكيد الأنا. الإيجابية إرادة متخمة بدوافع الفاعية التي تبث الحيوية في مفاصل الذات التي تندفع جراء ذلك نحو الانتشار المتأبي على الانحسار، إنها فيض من العطاء وزخم تراكمي من الإثراء يحدو نحو الحراك الديناميكي الذي يمنع الإخلاد صوب الدعة ويحمي من الجنوح نحو الارتماء في غياهب السكون. تضاعف وتيرة الإيجابية ورحابة مساحة حضورها يمنح لونا من المناعة المضاعَفة ضد الاستسلام للفشل أو التلبس بصور الركود القادرة على توليد الحيثيات التبريرية للقعود، وخلق مسوغات عدم مبارحة دوائر الانزواء؛ إنها ترشد المتلبس بدلالاتها إلى الطرق الفنية الحفرية التي يكتشف من خلالها دوائر الممكن بل وقد تهديه نحو أسرار تحويل دوائر المستحيل إلى آفاق ممكنة بالوسع ارتيادها. الروح المعنوية العالية التي يتمتع بها ذو الإيجابية تُصلّب تمنعه على عوامل الإحباط التي تظل متتالياتها - بفعل ما يبديه من متانة المقاومة- ذات تأثير هامشي لا يطاله في الصميم، بل يجعل منها وقودا حيويا يستنفر الطاقة ويستفز عناصر المقاومة ويستجيش محفزات الإقدام. الإنسان المفعم بأدوات الإيجابية مترع بحصانة كافية ضد صور التثبيط التعويقية وتسيطر عليه عقلية الممكن وهو يعتقد أن تموضع المستحيل يكمن في إطار البنى الذهنية ولا تتيسر له سبل التجاوز نحو محيط الأعيان المتعينة في التقاسيم الجغرافية للواقع. إنه قيد ذهني يحكم قبضته على البنية العقلية فيكسّرمجاديفها ويهدر إمكاناتها ويهشّم ملامح تركيبتها، وليس مُشخّصا ماديا واقعياً له حيزه في الخارج بل هو حتى ولو كان ماديا ملموسا فإن مآله للنضوب إذا تم توسيع أطر الحركة وتنويع قوالب الممارسة. إن الإيجابي مسكون بفكرة الممكن إلى الحد الأقصى الذي تتبخر جراءه صور المستحيل أو على الأقل تتضاءل إلى أدنى حد ممكن، لصالح الممكن الذي يتنامى على النحو التلقائي، فالتشبع بهذه الفكرة وتشرّب فحواها آل إلى بلورة ضمور عناصر الاستحالة وتذويب تقنياتها وبالتالي إفقادها طبيعتها التفاعلية ومن ثم تفويت الفرصة على تفاقم تناسلها وطغيانها الحضوري. الإيجابية كمعنى تبرز إلى الوجود من رحم الإرادة الحديدية التي تمكّن المرء أن يلمح في الأفق الأنوار المحتجبة خلف حنادس الظلام الكثيفة، إنه يعاين وبجلاء تلك الفرص التي تتولد وسط جو هائج يموج بأعاصير المشكلات، إنه يلمح خيوط الفجر حتى وهو في أشد أوساط العتمة الحالكة. إن الإيجابية تتجلى حتى خارج إطار الإنسان كما هو الحال عند تلك النملة التي تبنّت دورا قياديا ومارست دورها التنويري عندما صدحت بخطبة ارتجالية متوجهة إلى بني جلدتها بالتحذير مما قد يُلحقه جنود سليمان- عليه السلام- بها من خسائر ليس بالوسع تعويضها. إنها تجلت أيضا في ذلك الهدهد الذي سارٍ بمفرده دون تكليف سالف، او انصياع لأمر صادر واقتنص نبأ للقيادة النبوية ترتب على إثره انضمام أمة كاملة إلى المنظومة التي تشكلت معالمها على ضوء تعاليم الإسلام.



Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد