Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/10/2009 G Issue 13530
الاربعاء 25 شوال 1430   العدد  13530
قراءة في كتاب (حتى لا يصيبنا الدوار) لمعالي الشيخ عبدالعزيز التويجري
د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

 

حين تلد الخواطر أفكارها بصدد رؤية أو رأي فالحوار وسيلتها مع الطرف الآخر دون أن تلغي رأياً أو تنل منه. فالحوار هو الوسيلة الفاعلة والمؤثرة بطابعها الحضاري ومقدار المرونة فيها دون تعصب أو مغالطة، فيجري تيار الحوار بين الطرفين وقد تحدَّد هدفه والغاية منه،

فهو قول واستيعاب يتحقق معه فَهم ومناقشة هادئة، وتتصاعد به النتائج على طريق يقرب من الاتفاق؛ فالحوار لا يشبه فوضى الكلام التي معها تسقط من اليد الوسيلة دون أن تسعى به إلى غاية محددة. ويشكِّل الحوار المحصلة التي لها نسب وقربى مع النفس والعقل، وهذا من أسباب احترام الرأي والإصغاء له، واستنتاج معانيه باستيعاب لا يتعجّل الرد.

وحين يضع إنسان محصلة أفكاره في كتاب يؤلفه فإن الحوار فيه بجانب استدعاء الأفكار؛ فهو حوار بين المؤلف ونفسه، وما قد يتصوره من ردود الأفعال لآخر بعد أن يطلع عليه، فما يسجل في كتاب وطابعه الحوار يفترض أن يلحق به حوار لمن يطلع عليه، فالحوار هنا وسيلته نحو غاية يتوجه إليها لطرف محدد كما جاء في الكتاب حين وجه مجموعة من الرسائل إلى ولده.

وفي رسالة حول (الحوار) يقول: (فتحاوري معك غير أمري عليك، ورفقي بك ملتقى في الفَهم وبغيره قد نختلف، ومن يختلف مع أبيه يطل به الخلاف في مجتمعه.

عجز الآباء عن فتح الحوار فشابت لمة المجتمع وانحنى ظهره لأن الابن لم يحاور أباه، فسكت الفهم وحاورت الجهالة أختها ورثتها ثم ورثتها.

من يبطل الميراث الرديء؟ يبطله الحوار، يبطله التسامح، يبطله التواضع، تبطله الصداقة الحقة...

إذا صوّتُ لك ورفعت الصوت أن تعال إلي فحاورني، أقلق راحتي بالحوار حتى يتصبب عرقي، لا تنجذب إليّ في كيسك الرملي مبلد الحس فارغ الفؤاد، أجلب علي بخيلك ورجلك، وقدها في شجاعة القائد الذي لا يخاف ولا يتهيب الخطر. فخيلك ورجلك لا تنتصر إذا لم تكن أفكاراً عاقلة وروحاً متجردة محمولة على إرادة واعية.

مثلما أنوي أن أعطيك تعال إلي بني بنية الأخذ والرفض. لا أقبل أن تصوغك إرادتي فتتعطل إرادتك، فمعنى الحوار عندي مشاكسة فكرية ومشاركة وجدانية.

ولدي:

في طريق الإنسان إلى مدفنه سيسير في جيش لجب من الهموم والفرح والحب والكره والرغبات وضدها، سيمشي إليه على أقدام حافية أو منتعلة بالوعي.

حقيقة السير لا خلاف عليها، ولكن الخلاف والتباين في الحوار يصدر عن الإنسان نفسه فيما بينه وبين رفقاء الطريق الذاتي.

من الناس من ترافقه في الرحلة الذاتية ملذاته وشهواته وغرائزه البحتة تناديه أو يناديها فتستجيب له أو يستجيب لها، وبقية الحاشية العقلية والروحية والفكرية تظل في أقصى قافلة الطريق لا أحد يشعر بوجودها، وعند رجل آخر تكون في مقدمة القافلة.

والحوار في رسالة الأنبياء أو ما دون ذلك، في مواعظ الواعظين أو فلسفة المفكرين تلاحق المارة على الطريق العام تحاول أن تصحح المسار الخاطئ، وتنبه وتحاور وتعظ بالنهاية، وهو وعظ لم ينج منه إنسان واحد، ففي فلسفة الموت ويقينيته لقاء بين كل الأحياء، وهو قدر لا منجاة لنا منه ولا فريضة ولا احتمال ولا حوار إلا في مشكلتنا مع السير إليه ومع عللنا وصحتنا الذاتية، وهذا ما أود أن أتحاور معك عليه في حدود تجربتي ومقياس هذه التجربة عندي لأعماق المشكلة.

أصغ إلي لآخذك معي إلى التجربة الحسية! اللذة، المتعة، أسمعتني قهقهتها وضجيجها وعربدتها في سوق البيع بالجملة وحاولت أن أنفذ إلى قاع الرؤوس المنتشية بالسكر بها لعلي أرى في فقه اللذة وفلسفتها مطية مريحا ركوبها في عناء الطريق فماذا وجدت؟

وجدت جثة هامدة فاقدة للوعي الروحي والفكري، مشغولة عن الحقيقة ووليمة العرس بضرب الدفوف والصخب وفقدان الذاكرة، ومتى غابت الذاكرة غاب كل شيء عن وعي الإنسان...

لا تفهم عني خطأ في القول، فتجفل مني فأقع منك في الفراغ... أنا لا أريدك خارجيا في اللذة، ولا معتزليا فيها، إذ أخذتك في الرمز إلى مذهب الخوارج ومذهب المعتزلة فهي استعارة نفاها عن الطريق المستقيم شدة تطرفها.

ولدي:

إذا فتحت لك جيب تجربتي فهو جيب فارغ أو شبه فارغ، اسلك يدك فيه وفتش في جنباته عن كسب أبيك وما ورثه إياه كسب أسلافه، خذ هذا الميراث وقاسمه إخوتك، ما طاب لكم منه فادخروه، وما أوحشكم مرآه فعطلوا فاعليته واخذلوه مثلما خذل المعطلة مداركهم، خذلوها فخذلتهم الحياة، الحياة لم تعطل جيدها ولم تعتزل، خلفت مذهب المعطلة مثلما خلفت مذهب المعتزلة، ولا أعرف كيف ظل المذهب الخارجي يتشكل في صور الحياة بأشكال مختلفة في عصر الخوارج الكوني).

إن الحوار حول فكرة يرغب طرف مناقشتها مع من تعنيه منهاج متقدم وحضاري يتيح فرصة للاستيعاب وتصور الفكرة وتبادل الرأي حولها وتأخذ بالحوار إلى طرح موضوعي يتبعه فهم وتفاهم على طريق من الاحترام المتبادل، كما يهيئ وسائل الحديث المثمر من خلال الإصغاء ثم الرد بالجواب، كما يحقق الإشباع من الناحية النفسية ومظهره اعتبار الذات لكل أطراف الحوار، ولقد كان واضحاً فيما طرح من وجهات النظر حتى وإن جاءت في كتاب واستعاض المؤلف بالتصور لرد الفعل من جانب ولده كما سجلها في الكتاب. وإلى فصل آخر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد