سعدت كما سعد كثيرون من أبناء هذا الوطن وأنا أقرأ في موقع وكالة الأنباء السعودية، نصّ خطبة الشيخ عبدالرحمن السديس يوم الجمعة في الحرم المكي. الخطبة كانت (نموذجية) بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كان فيها الشيخ السديس متماهياً مع ما يجب أن يكون عليه الخطيب المعاصر، وما يجب أن تتطرّق له الخطبة من على منبر هو أهم المنابر الإسلامية على الإطلاق.
العلم هو حجر الزاوية، وهو الأساس؛ منه تبدأ الحضارات وبسببه تزدهر. وعندما نختزل العلوم في جوانب معيّنة، لا نبرحها قيد أنملة، ونهمل العلوم الحياتية الأخرى، معنى ذلك أننا سنبقى (عالة) على الآخرين، نأكل ما لا ننتج، ونبني بمخترعات الآخر، ونركب ما لا نصنع، ونتداوى بمكتشفات الآخرين؛ أضعف خلق الله في ميادين المنجزات والمخترعات الحياتية، كما هو واقع العرب والمسلمين الآن.
أن تهرب من قاع التخلُّف يجب أن تنطلق من (العلم) التجريبي والبحث العلمي، وتبدأ من تهيئة الصروح لتلقِّي العلم والمعرفة. وهذا ما أثاره الشيخ السديس في خطبته في الحرم المكي الشريف وهو يتحدث عن جامعة الملك عبدالله. يقول: (فلتهنأ البلاد وليسعد العباد فعطاء متدفق وحلم متحقق في هذا المنجز التاريخي العظيم وإن واجب الجميع من القادة والعلماء وحملة الأقلام ورجال الصحافة والإعلام وشباب الأمة والغيورين على مصالحها أن يباركوا بإجماع واتفاق هذه الجهود الخيرة في ظل مقاصدنا الإسلامية وضوابطنا الشرعية وفيما يحقق الحفاظ على ثوابت الأمة وقيمها وليحذروا من الخوض في ما لم يتبين لهم أمره والانسياق خلف الشائعات المغرضة والإثارة المتعمدة المحرضة التي يريد أعداء الأمة وخصوم المجتمع أن تتقاذف سفينتها الآمنة أمواج الفتن المتلاحمة وتيارات الأهواء المتلاطمة، فلا أعظم ولا أجل من تأليف قلوب الرعاة والرعية وتوارد أهل الحكم وأهل العلم بل وكافة شرائح المجتمع وأطيافه على تحقيق المصالح للأمة ودرء المفاسد والفتن عن المجتمع).
ويقول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - في كلمته في حفل افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: (لقد ارتبطت القوة عبر التاريخ - بعد الله بالعلم - والأمة الإسلامية تعلم أنها لن تبلغها إلا إذا اعتمدت - بعد الله - على العلم. فالعلم والإيمان لا يمكن أن يكونا خصمين إلا في النفوس المريضة). ومن يتابع الفعاليات والمحاضرات التي يضطلع بها كثير من الوعّاظ في مناسبات مختلفة يجد بوضوح أنّ قضايا التنمية والتحضر و(العلم التجريبي) آخر ما تعنيهم.. ولو أجرى متخصص في الدراسات الاجتماعية بحثاً إحصائياً عن المواضيع التي يتطرّق إليها الوعّاظ والدعاة في نشاطاتهم الوعظية، المنتشرة في بلادنا، لوجد أنّ قضية (التنمية) غائبة تماماً، رغم أنها تعتبر من قضايا (الأمر بالمعروف) الذي يحض عليه الإسلام؛ وهي أساس القوة والمنعة المطلوب منا كمسلمين إعدادها والاهتمام بها.. غياب هذا الجانب المفصلي عن ذهنية واهتمام الواعظ أو الداعية سببه أنّ (التنمية) وقضايا التطور قضية هامشية لا تشغل أي حيِّز من ذهنية خطبائنا؛ فالخطيب لا يعتبر نفسه ولا المنبر الذي يعتليه معنيّين بها لا من قريب ولا من بعيد.
وأختم بعبارة للشيخ الدكتور (علي جمعة) مفتي مصر تختصر كل ما تقدم ؛ ولا أعتقد أنّ أحداً من المسلمين يختلف معه عليها يقول: (إن البحث العلمي هو نقطة البداية الصحيحة للأمة الإسلامية حتى تضع قدميها مرة أخرى في خريطة العالم، وتشارك بحضارتها في بناء الحضارة الإنسانية). وهذا بالضبط ما نقوله ونؤكده ؛ وهو - أيضاً - ما تطبِّقه (عملياً) جامعة الملك عبدالله شعاراً وممارسة.
إلى اللقاء.