مع إقامة مسابقة الملك عبد العزيز الدولية الواحدة والثلاثين لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره لهذا العام تكون هذه المسابقة المباركة قد أكملت ثلث قرن في خدمة القرآن الكريم أتاحت لشباب العالم الإسلامي والأقليات المسلمة من الماهرين المتقنين في الحفظ والتلاوة الفرصة للمشاركة في ميدانها والتنافس في الخير وطوال تلك المرحلة كانت ولا زالت المسابقة ملتقى مباركاً تجتمع فيه الوفود في مكة المكرمة وبجوار بيت الله الحرام على كتاب الله وتتابعه الجماهير المسلمة من أرجاء العالم. ولقد انطلقت هذه المسابقة بهمة رجال سباقين إلى الخير مهتمين بخدمة كتاب الله وجمع شمل الأمة الإسلامية حوله فكانت تلك الفكرة التي تبلورت وتطورت عاماً بعد آخر حتى كبرت المسابقة وذاع صيتها في كل مكان وهو ما يؤكد حرص جميع الدول الإسلامية على مشاركة المتميزين من أبنائها لينالوا شرف المركز الأول فيها وكل مراكزها شرف، وما كان للمسابقة أن تبلغ ما بلغته لولا توفيق الله عزّ وجل ثم الدعم المادي والمعنوي المرصود لإنجاحها والجوائز السخية المقدمة من الدولة - وفقها الله - ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فقد قدمت للفائزين جوائز مجزية ولكل المشاركين الذين استمعت إليهم لجنة المسابقة, والهدف من ذلك تنمية وترسيخ الاهتمام بكتاب الله الكريم وتشجيع أبناء المسلمين على حفظ كتاب الله الكريم وتلاوته وتدارسه وربط الأمة بالقرآن الكريم وتقوية روح التنافس الشريف في مجال إتقان الحفظ وجودة التلاوة والدراية بعلوم التفسير, وإقامة المسابقة في هذه البلاد يعمق ريادتها في مقدمة الدول الإسلامية فالمملكة العربية السعودية تستقبل الوفود على مدار العام ولا يكاد يخلو شهر من أشهر العام من فريضة دينية وشعيرة من الشعائر تستقطب جموعاً من المسلمين كالحج والعمرة والزيارة لكونها قبلتهم وإلى ثراها تتجه القلوب والأفئدة مستقبلة بيت الله الحرام وفيها المسجد النبوي الشريف، واستقبال هذا العدد من المشاركين في المسابقة هو تجسيد آخر لمكانة المملكة في العالم الإسلامي.
وفي هذا العصر الذي تموج فيه الفضائيات بالغث والفاسد من الأفكار والثقافات المستوردة التي تلقي بآثارها على المجتمعات وأصبح بمقدور من شاء أن يوجه أفكاره وشبهاته وفتنته إلى أي اتجاه دون عائق ولا حدود، وهذه الإمكانيات التقنية الفضائية لم تستخدم للأسف بما يخدم مصالح الشعوب والمجتمعات الإسلامية بل الغالب فيها النزوح إلى التغريب والفساد أو الغلو وزرع الفتن والتغرير بالشباب، ولذلك ووسط هذه الفوضى الهوائية الملوثة بالمخاطرة الفكرية يحتاج المجتمع المسلم إلى من يقوي أواصر ارتباطه بعقيدته ويجلو الصورة الصحيحة عن الفضائل والمثل الحسنة والصورة الصحيحة عن المسلم الملتزم حتى لا تختلط الأوراق على الشباب فيضيعوا بين الفساد والإفراط، لذلك فإن ما تقدمه الدولة رعاها الله من مسابقات قرآنية دولية ومحلية وبرامج تثقيفية ومناهج تربوية خلال العام تسهم في تقديم جرعات إيمانية تقوي التصور الفكري والخلقي لدى الشباب، ومن تلك الجهود المباركة مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره فوزارة الشؤون الإسلامية تعمل للمسابقة قبل بدئها بشهور عديدة فقد أصبحت بمستوى من الأهمية والصيت بحيث أن الاعداد لها مسؤولية كبيرة تتطلب الاستعداد المبكر والعمل المتواصل والظهور كل عام بثوب جديد متألق، ولقد أحسنت الوزارة صنعاً عندما وضعت خيرة عناصرها وطاقاتها للعمل في هذه التظاهرة الإسلامية وعلى رأسهم معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ لإنجاحها، وأعدت الضوابط والشروط التي تضمن توسيع المشاركة لكل المسلمين دولاً وأقليات ومنعت تكرار المشاركة للمتسابقين لإتاحة الفرصة لمن خلفهم من إخوانهم الذين يتحرقون شوقاً لزيارة الرحاب الطاهرة والتنافس مع أقرانهم الحفظة، كما أن للمسابقة جانباً تربوياً له أهميته رغم قصر المدة التي يقضيها الطالب في رحاب مكة الطاهرة فمن خلال التقاء المشاركين مع إخوانهم من مختلف بلاد العالم وجلوسهم مع المشايخ والقراء تتشكل في نفسياتهم آثار إيجابية وانطباعات لا تنمحي ولعلهم يستفيدون في تلك الأيام القلائل لمعرفة المزيد عن القراءة والتلاوة وأحكامها من خلال ملاحظات لجنة التحكيم واستماعهم إلى زملائهم المتسابقين. ومن الجوانب الداعمة لنجاح المسابقة ونشرها الجانب الإعلامي حيث تقوم الإدارة العامة للعلاقات والإعلام في الوزارة بمهام التغطية الصحفية والإعلامية لفعاليات المسابقة وإصدار الأعداد الخاصة التي توثق لها وقد أجادت كثيراً في أداء دورها الحيوي وأبرزت المسابقة بالشكل اللائق بها.
وما هذه المسابقة إلا نموذج من النماذج الكثيرة التي تقوم بها بلادنا المعطاءة وولاة أمرنا حفظهم الله لخدمة الإسلام ودستوره القرآن الكريم وهذا مبعث اعتزاز وفخر لكل مواطن، وعلى ثرى هذه البلاد تقام الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لا لشيء إلا لإعلاء كلمة الله والقيام بالواجب تجاه كتابه الكريم، ونسأل الله أن يديم على بلادنا هذه الريادة الإسلامية ويعلي شأنها ويحفظها وشبابها من كل مكروه.. وبالله التوفيق.
رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة