Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/10/2009 G Issue 13527
الأحد 22 شوال 1430   العدد  13527
ارتفاع أسعار النفط والركود الاقتصادي أبرز الأسباب
الذهب يعاود أمجاده.. ويسجل أعلى سعر في 180 عاماً

 

الجزيرة - عبد العزيز العنقري:

عاد بريق الذهب هذه الأيام ليأخذ بألباب المستثمرين. فبعد أن ظلت أسعاره متدنية في سوق المضاربات لأكثر من عقدين بدأنا نشهد في السنوات الأخيرة ارتفاعات متتالية في أسعاره حتى وصلت اليوم لأعلى سعر متجاوزاً (1060) دولارا للأونصة هو الأعلى على الإطلاق منذ إنشاء بورصة الذهب قبل (180) عاما.

فما هي العوامل وراء هذه الطفرة في أسعار هذا المعدن الأصفر؟ وهل هي ارتفاعات حقيقية ومبررة أم أنها كما يراها البعض فقاعة قد تتلاشى في أي وقت، وطفرة مؤقتة جاءت نتيجة استثمارات عفوية وليست نتيجة عرض وطلب حقيقيين؟

أسباب الارتفاعات الأخيرة

يعزو كثير من الاقتصاديين ارتفاعات أسعار الذهب الأخيرة إلى عدة عوامل من بينها:

1- ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ بداية العام (2003)، فكلما ارتفعت أسعار الطاقة وخاصة النفط ترتفع أسعار الذهب حيث إن ارتفاع النفط يمثل ارتفاعا في تكلفة الإنتاج، ما يحدث التضخم، فيلجأ المستثمرون في هذه الأثناء للاحتفاظ بالذهب.

2- الركود الاقتصادي وضعف الاقتصاد الأمريكي وإفلاس بعض الشركات الكبرى وارتباط الطلب على الذهب طرداً مع أسعار النفط وعكسا مع أسعار الفائدة وأداء أسواق الأسهم.

3- انخفاض قيمة الدولار الأمريكي وارتفاع العجز في الميزان التجاري الأمريكي ما أدى لقيام بعض المصارف المركزية في آسيا خاصة الصين بتخفيض احتياطاتها من الدولار ودعم ودائعها بالذهب، فالعلاقة عكسية بين سعري الذهب والدولار، فعندما يرتفع الدولار يهبط سعر الذهب ويزيد الاستثمار في أسهم وسندات الخزانة الأمريكية، والعكس صحيح.

4 - تخوف المستثمرين من آثار التضخم بسبب ضعف قيمة العملات ونظرة المستثمرين إلى الذهب باعتباره ملاذاً آمناً لرؤوس الأموال. واستثمار يقي من مخاطر التضخم.

5- بلوغ معدلات البطالة مستويات قياسية لم تشهدها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية منذ 30 عاماً.

6- اتجاه الصناديق الاستثمارية للاستثمار في الذهب لحفظ رؤوس الأموال وإيجاد ملاذ آمن لها.

7- ازدياد الطلب عليه من قبل الصاغة والمستهلكين مقابل انخفاض إمدادات الذهب من المنتجين الرئيسيين في العالم كجنوب أفريقيا وروسيا حيث خفضوا إنتاجهم وتصديرهم للذهب لعلمهم بارتفاع سعر الذهب مستقبلا.

8- النمو الاقتصادي في الصين والهند في العقد الأخير وانعكاسه على زيادة دخل الفرد وإنفاقه.

9- تحسن المداخيل في بلدان الشرق الأوسط بعد ارتفاع أسعار البترول ما رفع الطلب على الذهب من قبل هذه المنطقة.

10- ازدياد الطلب الصناعي على الذهب والذي يدخل في صناعات الطائرات والصناعات الطبية والحواسيب والأجهزة الكهربائية وصناعات تكنولوجية أخرى، حيث زاد الطلب العالمي على هذه الصناعات في السنوات الأخيرة بشكل كبير ومطرد.

11- أسباب سياسية نتيجة التوترات التي تسود العراق وفلسطين وأفغانستان، إضافة للتطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط بما فيها أزمة الملف النووي الإيراني و احتمال تعرضها لضربة عسكرية، ما يبرر اندفاع المستثمرين إلى شراء الذهب كملاذ آمن في أوقات الأزمات.

ويرى كثير من المراقبين أن بيع بريطانيا وهولندا لجزء من احتياطياتها من معدن الذهب في العام (99- 2000) وما سبقه من بيع الولايات المتحدة من احتياطياتها في سبعينيات القرن الماضي هو ما ضغط على أسعار الذهب وآخر ارتفاعاتها الحالية.

وقد هدفت هذه الدول من عملية البيع إلى إلغاء الوظيفة النقدية للذهب. بالإضافة لهدف آخر سعت إليه الولايات المتحدة يتمثل في تخفيض العجز المتزايد في ميزان المدفوعات الأمريكي الناتج عن تضاؤل القوّة التجارية للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي وبفعل التأثير الشديد للإنفاق العسكري الأمريكي خارج حدود البلاد. إضافة لدعم الدولار الأمريكي مقابل الذهب.

تطور أسعار الذهب تاريخيا

بعد اختيار الذهب لأداء وظائف النقود صار الطلب عليه كنقد إضافة للطلب الأساسي كسلعة، ما أدى لارتفاع قيمته قياسا بالسلع الأخرى. وبعد انهيار قاعدة الذهب فإن سعره لم يتبدل طوال الفترة الممتدة من العام 1934 وحتى نهاية الستّينيات. ويعد العام (1980) عاما مميزا للذهب عندما بلغ سعرا أسطوريا وصل إلى (850) دولار للأونصة الواحدة. وبعدها بدأ سعره بالانخفاض. فمنذ العام (1988) وحتى نهاية العام (2005) لم يتجاوز سعره (450) دولار للأونصة. (الأونصة تساوي 31.1 غراما).

الدول الرئيسية المنتجة للذهب

لا يزيد عدد البلدان المنتجة للذهب عن خمسين بلداً، غير أن عدد البلدان التي تنتجه بمستوى صناعي لا يزيد عن عشرين بلداً، وقد قدر إجمالي الإنتاج على مر العصور حتى عام 1998 بحوالي خمسة مليارات أونصة (بحسب أرقام المجلس العالمي للذهب في عام 1998). وتتركّز أهم مناطق الإنتاج في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة وكندا واستراليا والصين وروسيا.

واللافت للنظر حاليا الازدياد المطرد في إنتاج الصين للذهب في السنوات الأخيرة حيث أظهرت إحصائيات (رابطة الذهب الصينية) إن الصين أنتجت (270) طنا من الذهب في العام (2007)، ما يجعل منها ثاني أكبر دولة منتجة للذهب في العالم بعد جنوب إفريقيا التي يزيد إنتاجها عن إنتاج الصين بطنين فقط.

وساعد الصين في زيادة إنتاجها اكتشاف خمسة مناجم جديدة إضافة لخفض المنتجين التقليديين للذهب ومن بينهم جنوب إفريقيا والولايات المتحدة واستراليا من إنتاجهم خلال الأعوام الأخيرة.

وتخطط الصين لإنتاج 1300 طن من الذهب خلال الفترة ما بين 2006 و2010، كما تسعى لزيادة قاعدة احتياطيها من الذهب لتصل إلى 3500 طن.

الاحتياطيات الرسمية للذهب

بعد التخلّي عن قاعدة الذهب ونزع الصفة النقدية عنه، لم يعد الذهب يمثّل أساساً للنظم النقدية، وتوقّف كأداة لتسوية المعاملات الدولية. ورغم ذلك فإن غالبيّة الحكومات والبنوك المركزية ما زالت (تجلس على صناديقها) ولا تبدو راغبة في التخلي عن احتياطيها المكدس.

وقد ُقدّرت الكميات التي تركّزت في البنوك المركزية حتى العام 1945، ما يقارب ثلثي احتياطي الذهب، أو ما يعادل 30 ألف طن، بلغت حصّة الولايات المتحدة منها (22) ألف طن أو ما يعادل 70% من الاحتياطي الرسمي للذهب، وما تبقّى من الاحتياطيات توزّع على سائر البلدان الأخرى.

وقد بلغت الاحتياطيات الرسمية أكثر من (32) ألف طن تقريباً حتى نهاية العام (1998). وهذا ما يجعل الذهب ثاني أهم أصل دولي بعد الدولار الأمريكي.

مستقبل الذهب

لا بد من إدراك أن الذهب فقد وظيفته كنقد ولم يعد يشارك في تكوين الأسعار. فالأسعار تعيش اليوم عالمها ويعيش الذهب عالمه الخاص. كما أنه فقد وظيفته كوسيط للتبادل وكأداة للمدفوعات الآجلة، فهو إما يرقد خاملاً في أقبية البنوك المركزية أو يستهلك من قبل القطاع الخاص ولأهداف لا تمتّ للنقود بصلة.

رغم ذلك لا أحد ينكر أن الذهب ما يزال له وزنه في الميزان الاقتصادي والسياسي العالمي، فآلاف الأطنان من الذهب ما زالت مجمّعة على شكل ملكيات رسمية وخاصة. وما يزال الناس يحيطونه بميّزات خاصة، من الصعب التخلّي عنها بسهولة، حتى بعد أن توقّف عن أداء وظيفته كنقد. ولذلك فالذهب ما يزال يحتفظ، ومن المؤكد أنه سيحتفظ لمدة طويلة بمسمى (سلعة من نوع خاص).

****

أهم محطات الذهب تاريخيا

* عام 4000 ق.م هو تاريخ معرفة الإنسان بالذهب على أيدي السومريين في بلاد الرافدين.

* عام 560 ق. م تم صنع أول عملة معدنية من الذهب في مملكة ليديا في آسيا الصغرى.

* (14-31) ق.م أصبح الإمبراطور اوغستوس أول إمبراطور روماني يصدر عملة ذهبية.

* (476) مع انهيار الإمبراطورية الرومانية، كان الذهب قد أصبح أداة للتجارة ووسيلة لتكديس الثروة..

* (1100) أصبحت البندقية مدينة تجارة الذهب العالمية لموقعها في منتصف طرق التجارة للشرق.

* من القرن (16) إلى القرن (19) لعب الذهب دورا مهما في تحديد خارطة العالم وتاريخه.

* أدت الاكتشافات الجغرافية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، في إفريقيا والأمريكيتين إلى اتساع نطاق التجارة وتدّفق المعادن النفيسة إلى أوروبا وتحوّل اقتصاد العصور الوسطى من اقتصاد ضيّق التبادل إلى اقتصاد قائم على استخدام النقود المعدنية.

* لعب اكتشاف الذهب في كاليفورنيا وأستراليا عاملاً مهماً في النموّ الاقتصادي، وفي تشكّل الأسواق العالمية.

* مع اكتشاف الذهب في جمهورية جنوب أفريقيا في نهاية القرن التاسع عشر، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ المعدن الأصفر.

* حتى الحرب العالمية الأولى استخدم الذهب كغطاء للعملات الوطنية في مختلف البلدان.

* مع انفجار حمم الحرب العالمية الأولى في العام 1914 انهار نظام القاعدة الذهبية ولم يعد الذهب يلعب دور النقود في الاقتصاديات المحلية.

* بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الدولار الأمريكي ممثّلاً للذهب، فاختارت كل دولة قيمة اسمية لعملتها مقوّمة بالدولار الأمريكي.

* في العام 1971 أعلنت الإدارة الأمريكية عن إغلاق نافذة الذهب موقفة بذلك تحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، وقطعت بذلك آخر صلة تربط عالم النقود الورقية بالذهب. وتحوّلت الأوراق النقدية إلى أوراق نقدية إلزامية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد