ليس العرب وحدهم الذين يدبرون وينفذون الانقلابات، وأيضاً ليس الأفارقة والدول النامية من تستعمل هذه الطريقة لتغير أسلوب النظام السياسي، أو الاستيلاء على الحكم، فالدول المتقدمة أيضاً استفادوا من هذا الاختراع، الذي يندرج تحت مسمى الانقلاب.. وبالتحديد فرنسا التي جلبت هذا الفن من الأفارقة الذين لا تزال تستعمر بعض دولهم، وبعض أنظمتهم تسير في فلكها. فالسيد ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية لا غيره مُتهم من بعض مفكري بلاده بأنه نفذ انقلاباً لصالح إسرائيل على حساب العلاقات العربية الفرنسية، ففرنسا ومنذ عهد ديغول ومروراً بكل الرؤساء الذين أتوا بعده كانت لهم سياسة أكثر عدلاً وقرباً من العرب، وما ان حل سيد ساركوزي في قصر الإليزيه حتى تحولت السياسة الفرنسية ذات النكهة العربية إلى سياسة ذات نكهة إسرائيلية صرفة.
الكاتب والمفكر الفرنسي بول أريك بلانرو درس التحولات التي طرأت على سياسة بلاده ورصدها وبين مخاطرها في كتاب حمل اسم (ساركوزي وإسرائيل واليهود) وعندما حمل مسودات كتابه إلى دور النشر الفرنسية، رفضت طباعة الكتاب ونشره، رغم أن الكتاب وعند نشره عبر الإنترنت حصل على سمعة طيبة، واعتبر أكثر الكتب مشاهدة والأكثر مبيعات في العام الماضي.
ولكي ينشر بول أريك بلانرو كتابه لجأ إلى بلجيكا، ولكن للأسف الشديد لاقى نفس الأجوبة هناك التي كانت تتسم جميعها بالرفض كما كان في فرنسا، لذا لم ينشر على الأراضي الفرنسية ولا نجد الكتاب اليوم سوى على الإنترنت.
لايكشف الكاتب في كتابه هذا عن مفاجآت فحسب بل ينتقد سياسة ساركوزي من خلال سرد 600 نقطة تدور كلها حول تأثير الجماعات المقربة من إسرائيل على ساركوزي، وكذلك حول تغير السياسة الخارجية الفرنسية بعد عام 2007م إثر نجاح ساركوزي في الانتخابات في نفس العام. ويرى الكاتب بأن بلاده تدخل في معمعة السياسة الإسرائيلية حيث يبدي مخاوف عدة من المستقبل الذي قد يدفع بفرنسا إلى صراع أو حرب مع إيران نتيجة لعلاقة ساركوزي الحميمية مع إسرائيل.
ثم يتطرق إلى تأثير الصهاينة على فرنسا قائلاً:(يعرف الجميع سياسيين وصحفيين في أعماقهم أنه يتعين عليك إبداء المزيد من الحذر عند تحدثك عن إسرائيل؟ لكن لماذا سؤال يطرح نفسه؟ السبب يكمن في جماعات الضغط التي ترتبط بإسرائيل وتمارس الضغط على الجميع هنا، ومن المستحيل الحديث بحرية عن هذه الجماعات (حيث سنتهم فوراً بمعاداة السامية) أو شيء من هذا القبيل.
لذا فإنه لو قدر لهذا الكتاب أن ينتشر لأصبح منعطفا في فرنسا لأنه الكتاب الوحيد الذي يسلط الضوء على جماعات الضغط الصهيونية التي تعمل في الخفاء والتي أصبحت مكشوفة بعد انتخاب ساركوزي، حيث التأثير والضغط الذي يمارس على فرنسا يفوق كثيراً ما تمارسه هذه الجماعات على أمريكا. لابد أن ينشر هذا الكتاب ليس بين الأوساط الفلسطينية فحسب بل بين جميع أصدقاء فرنسا الذين يريدونها حرة ومستقلة.
jaser@al-jazirah.com.sa