عقدت الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط BRISMES لقاءها السنوي في مدينة مانشستر في الفترة بين 4-6 يوليو. وقد كانت المملكة العربية السعودية وحضارتها حاضرة في المؤتمر، إما من خلال بعض الأوراق التي طرحها باحثون سعوديون كورقتي التي حملت عنوان
Becoming Roman Staying Nabataean: Identity and Acculturation in the Ancient Near East ، والتي كانت تتحدث عن العلاقة بين الهوية والمثاقفة في الشرق الروماني، ولاسيما موقف الأنباط العرب من هذه العولمة الثقافية في ذلك العصر، أو كان حضور المملكة من خلال تلك الأوراق التي طرحها باحثون عالميون، والتي جاءت عن مواضيع التاريخ، الآثار، المرأة... إلخ.
وفي العشاء الذي عقدته الجمعية للمشاركين في مداولات هذا اللقاء في مبنى نادي مانشستر يونايتد الشهير اقتربت مني سيدة إنجليزية يبدو أنها قد تجاوزت منتصف عمرها، ورحّبت بي ترحيباً حاراً. ومع أن هذا الترحيب وهذه الابتسامة الصادقة ليسا مستغربَيْن على الشعب الإنجليزي، إلا أنني قد لمست في ترحيب هذه السيدة ما يدل على أبعد من كونه ترحيباً بزائر أجنبي لدولتها. وبعد سؤالها لي عن الوطن الغالي وثنائها على منجزاته الكبيرة سألتني عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (حفظه الله)؛ فأخبرتها بأنه بخير وعافية، وأنه لا يألو جهداً في القيام بكل ما من شأنه الرقي بشعبه ووطنه. فقالت كان لي مع هذه الشخصية العالمية الفريدة قصة جميلة. فلما رأيت اهتمامها طلبتُ منها الجلوس لتروي هذه القصة الجميلة. تقول تقدمت بكتابي المعنون The Crusades: Islamic perspectives الحروب الصليبية: وجهة نظر إسلامية) لجائزة الملك فيصل بن عبدالعزيز العالمية، ووقع اختيار لجنة الجائزة عليه؛ فسافرت إلى المملكة العربية السعودية بصحبة ابنتي لاستلام الجائزة. وفي حفل استلام الجائزة كان ملككم العظيم (Your Great King) كما وصفته هو من يسلم الجوائز. وهنا وقعت في بعض الحيرة؛ فما هو البروتوكول المتبع في مثل هذه المواقف؟ حينها سألت بعض أعضاء اللجنة المنظمة عن البروتوكول. فقيل لي إنك ستصافحين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بكل أريحية وتستلمين جائزتك دونما أي بروتوكولات خاصة. حينها - والكلام لهذه السيدة - دُهشت من عظمة هذا الملك ومن بساطته. تقول: صافحتُ الملك عبدالله واستلمتُ جائزتي وكم كان رقيقاً حيث أثنى على أعمالي وعلى جهدي.
حينها أدركتُ من تكون هذه السيدة العظيمة، إنها المؤرخة العالمية Carole Hillenbrand المتخصصة في الحروب الصليبية، التي حصلت على جائزة الملك فيصل العالمية عام 2005م نظير كتابها المذكور؛ لتكون أول باحث غير مسلم يحصل على هذه الجائزة. وكان السبب وراء اختيار هذا الكتاب هو استخدامها للمصادر الإسلامية الخاصة بهذه الفترة التاريخية المهمة، وبذلك تميز عملها عن عمل غيرها من المؤرخين الغربيين الذين يغفلون غالباً استخدام المصادر الإسلامية ويركزون على المصادر الغربية التي تعطي صورة لأحداث الحروب الصليبية من طرف واحد، وهذا ينافي فلسفة التاريخ في كون عملة التاريخ ذات وجهين، ومن أجل الوصول إلى الموضوعية المنشودة في الكتابة التاريخية لا بد من عرض هاتين الوجهتين اللتين غالباً ما تكونان مختلفتين إن لم تكونا متضاربتين. وكم كانت سعادتي عظيمة وأنا أجلس أمام هذه المؤرخة العالمية التي أسهبت في الثناء على المملكة وشعبها؛ حيث كانت غير مصدقة ببساطة التعامل مع الملك عبدالله؛ حيث كانت تعتقد أن هذه العملية على درجة كبيرة من التعقيد.
ولقد خرجت من هذا اللقاء بعدة أمور:
* سمعة المملكة العربية السعودية وقادتها الطيبة على المستوى العالمي.
* أنه إذا كان يوجد من يتحامل على المسلمين وتاريخهم من الغربيين فإن هناك من الباحثين الغربيين من هو منصف.
* نجاح جائزة الملك فيصل باختيار هذه المؤرخة في تشجيع قلم جاد ومنصف؛ ليكون من الأقلام العارضة للتاريخ الإسلامي بإنصاف.
ومن هنا فإنني أتمنى تركيز الجائزة على الباحثين الغربيين من أجل غرس أقلام منصفة ومتميزة لثقافتنا وتاريخنا في الغرب.
Alabri3@hotmail.com