يعتبر يومنا الوطني من أغلى أيامنا التاريخية -ولا شك-, فهو يذكرنا بأعظم إنجاز عربي في القرن العشرين، وهو قيام دولة شديدة التماسك. فالملك عبد العزيز - رحمه الله - كان يدرك أن مهمة التوحيد والتأسيس ليست سهلة، بل منعطف تاريخي مهم في المنطقة العربية كلها. فذهبت إلى غير رجعة تلك..
..الصراعات القبلية، وانتظم المجتمع السعودي في بوتقة واحدة، واستطاع أن يجمع الشعب حوله في نمط فريد، ونموذج عجيب بين الراعي والرعية.
وفي الوقت الذي كنا نحتفل بيومنا الوطني، ليزيدنا فرحة وغبطة ومفخرة لكل من ينشد الوحدة والاستقرار، فقد تجرأت أيدي العابثين بالأعمال التخريبية في بعض مدن المملكة، وحطم المشاغبون واجهات عدد من المحلات التجارية، وقاموا بعمليات سلب لغالبية هذه المحلات، في ظل غياب الذوق العام، والجهل بأهمية هذه الممتلكات في حياتنا الاجتماعية، وذلك قبل أن تتمكن القوات الأمنية من السيطرة على الوضع، والقبض على بعض منهم.
وتعتبر هذه الأحداث جريمة وتعديا على غير في الممتلكات، وهي أخطاء في حق الجميع، لا يجوز السكوت عليها. وإذا كان الله -جل في علاه- قد حرم الاعتداء على مال غيره، فمن باب أولى أن تكون الحرمة أشد في حق الممتلكات العامة، فلا يجوز الاعتداء عليها، أو التهاون في المحافظة عليها. فحرمة الممتلكات العامة أعظم من حرمة الممتلكات الخاصة. كما أن الاعتداء على تلك الممتلكات ضرب من ضروب الفساد العام يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الوطني.
إن الوعي بأهمية المحافظة على الممتلكات العامة ليس شعارا نرفعه، أو كلاما نردده بل هو واجب شرعي، وحس وطني، وخلق اجتماعي من أجل إيجاد جيل يحافظ على تلك الممتلكات، ويقدر قيمتها، ويعي مسؤولياته تجاهها. فالمحافظة عليها جزء من مكتسباتنا العامة، وسمة من سمات المجتمعات الراقية لأنها ملك الجميع، إذا لا شيء يعدل الوطن إلا الوفاء والتضحية له.
قد أتفق بعض الشيء مع من يقول: إن مرد تلك السلوكيات الخاطئة إنما هي أمراض نفسية يعاني منها هؤلاء الشباب، ناتج عن عدم تحقيق الذات، كما أنه ناتج عن حالة مفرطة من التوتر والقلق، وبالتالي سينتج عنه حالة من انعدام الشعور بالأمن، فتنعكس تلك الاضطرابات النفسية على سلوكيتهم للفت الانتباه إلا أن تربية الشباب على احترام الآخر والبيئة ضرورة دينية واجتماعية، فنعودهم على ذلك حتى يتولد لديهم الإحساس بالمسؤولية من الحفاظ على المال العام لأن به مصلحة الأمة كاملة. كما أن تفعيل المناهج الدراسية في تنمية الشعور الوطني، والمحافظة على الممتلكات العامة مطلب مهم، لتنشئة الفرد من النواحي النفسية والعقلية والاجتماعية، وتعديل سلوكه من خلال ضبط المثيرات والاستجابات، والآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب على الاعتداء عليها، فإن الحرية تنتهي عند حدود الآخرين.
إن مشكلة كهذه.. جديرة بإجراء البحوث والدراسات لمناقشة الأبعاد التربوية للقضية، وإيجاد الحلول، وهو ما يؤكده -الأستاذ- عبد الرحمن بن صالح عبدالله، من أن : المحافظة على المال العام من القضايا المهمة التي تهم التربية، إلا أن الدراسات التي تبحث في هذا الموضوع في البلاد العربية شديدة الندرة. وبالرجوع إلى قاعدة البيانات التربوية ERIC، اتضح أن مئات الدراسات أجريت في الغرب في السنوات الخمس الأخيرة، بينما لم أحصل بعد الاستعانة بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وهو مركز متخصص، وبه بنك معلومات إسلامي متميز، إلا على بضع دراسات ولم يناقش أي منها البعد التربوي للقضية.
drsasq@gmail.com