Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/10/2009 G Issue 13520
الأحد 15 شوال 1430   العدد  13520
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وهذه الملاحظات
د. عبدالمحسن الضويان

 

بدعوة كريمة من معالي وزير البترول والثروة المعدنية تشرفت مع عدد كبير من زملائي في الجامعات السعودية ورجال الأعمال ووجهاء المجتمع، بحضور افتتاح خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

وفي الحقيقة فقد هالني الإمكانات الكبيرة للجامعة والتي تفوق الوصف من حيث المساحات الشاسعة لمشروع الجامعة والمباني التي أنشئت بأرقى المستويات والتجهيزات بأحدث المعامل والقاعات الضخمة التي لم أشهد مثلها في أعرق الجامعات. ولا يفوتني أن أنوه بالجهد الكبير الذي بذل والإعداد للافتتاح الذي نجح نجاحاً باهراً. وأتوقع لهذه الجامعات أن تصل إلى أبعد الطموحات، وحلم خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - لا شك تحقق - والحمد لله - والمستقبل لهذه الجامعات يبشر بالخير.

إلا أنني أود أن أتقدم ببعض الملاحظات التي أرى - في تقديري الشخصي - أنها جديرة بالاهتمام. ومن هذه الملاحظات:

1 - قصر الدراسة في الجامعة على الدراسات العليا:

أعتقد أن ذلك يحد من الاستفادة القصوى من إمكانات الجامعة واستغلالها استغلالاً أمثل، لكن أهم من ذلك هو أن الجامعة بحكم هذه الإمكانات الكبيرة مؤهلة لأن تعد الطلاب والطالبات لمرحلة الدراسات العليا ولحاجة سوق العمل؛ فالطالب عندما يلتحق بالجامعة قد تم اختياره من بين أفضل خريجي الثانوية العامة، كما أن الخطة الدراسية لمرحلة البكالوريوس في جامعة الملك عبدالله ستعد بحيث تتفق مع المستوى المؤمل لطالب الدراسات العليا فيما بعد، ناهيك عن مستواه في اللغة الإنجليزية والانضباط، وحبذا لو فتح المجال لطلاب المرحلة الجامعية للاستفادة مما في الجامعة من تسهيلات أكاديمية وتجهيزية ولتضييق الفجوة التي قد توجد بين مرحلة الدراسات الجامعية والدراسات العليا، إضافة إلى فتح المجال أمام طلاب جامعات المملكة الأخرى للانتقال إليها ممن حقق معدلات مرتفعة في دراسته في إحدى هذه الجامعات. كثير من الجامعات العالمية المعروفة رغم تركيزها على البحث العلمي والدراسات العليا إلا أنها لم تغفل جانب إعداد الطلاب في مرحلة البكالوريوس لبرامج الدراسات العليا؛ فجامعات مثل جامعة كاليفورنيا بيركلي، وهارفرد، وام أي تي MIT تقبل طلاباً لمرحلة البكالوريوس، ومن يحقق مستوى معيناً بعد التخرج وله رغبة في الدراسات العليا فإن المجال مفتوح أمامه لتحقيق طموحاته.

2 - الملاحظة الثانية في البحث العلمي؛ فهناك اعتقاد لدى الكثير ممن هم خارج جامعات المملكة بأن الأبحاث التي يجريها أعضاء هيئة التدريس محدودة الفائدة ولا تخدم أهداف التنمية ولا تساهم في حل مشكلات المجتمع بأنواعها المختلفة؛ ولذا يرون أن الجامعات لم توفق في التأثير الإيجابي في تطوير المجتمع علمياً وثقافياً واجتماعياً، كما أن دورها في الإبداع والابتكار محدود. وقد يكون في بعض ذلك شيء من الواقع لكن نسبته قليلة. وأعتقد أن ما ذكر من معوقات في دور الجامعات في المملكة يرجع في أساسه إلى عوامل أخرى من أهمها ضعف الصلة بين الجامعات والصناعة، وربما يعزى ذلك إلى أن الصناعة في المملكة لا تزال في بداياتها ولم تصل إلى مرحلة التطوير الذي يستدعي الاستفادة من أبحاث أعضاء هيئة التدريس، وأعتقد أن هذا هو أهم مؤشر على دور الأبحاث في التطوير، بل إن الأبحاث لم توجد إلا لغرض حل المشكلات الفنية وإيجاد أساليب جديدة في مجالات الطب والهندسة والحاسب الآلي والإدارة وغيرها. ما لم تكن الأبحاث موجهة لهذه الأغراض فإنها تبقى حبيسة الأدراج والرفوف في المكتبات. ولا يجوز لوم أعضاء هيئة التدريس في جامعات المملكة على هذا القصور؛ فمن يرجع إلى الأبحاث المنشورة لهم يرى الكثير منها قد نشر في مجلات عالمية مرموقة وفي مؤتمرات متخصصة، وبعضها يفوز بجوائز الجودة، وقد تشرفت بالعمل وكيلاً لجامعة الملك سعود للدراسات العليا والبحث العلمي ورئيساً للمجلس العلمي، واطلعت مع أعضاء المجلس على نتائج تحكيم أبحاث أعضاء هيئة التدريس الذين يتقدمون للترقية إلى مرتبة أستاذ مشارك وأستاذ، وكثير من النتائج كانت مفخرة لأعضاء هيئة التدريس والجامعة؛ إذ يذكر بعض المحكمين العالميين أن: عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود لو تقدم للترقية في جامعتي لحظي بها دون تردد، وهو بالطبع يتحدث عن جامعة تحتل مراتب متقدمة من بين جامعات العالم.

لذا فإني أخشى أن أبحاث أعضاء هيئة التدريس في جامعات المملكة تعاني من الكساد وضعف التسويق وليس من نقص في المستوى أو عدم ارتباط هذه الأبحاث بمشكلات المجتمع. ويمكن التدليل عن صحة ما ذهبت إليه بالرجوع إلى مشاريع الأبحاث التي مولت من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التي أنفق عليها مئات الملايين خلال العقود الثلاثة الماضية والتي يحرص القائمون على إدارة هذه الأبحاث في المدينة على أن تكون مرتبطة بحل المشكلات الفنية في النواحي الهندسية والإنشائية وصناعة البترول وغيرها، ومع ذلك كله فإن الاستفادة من هذه الأبحاث من قبل الصناعة والقطاع الحكومي والخاص محدودة.

ومن هنا فإني أتمنى أن لا يكون التركيز في جامعة الملك عبدالله على نوعية الأبحاث فحسب وإنما لابد من الارتباط الوثيق والمباشر بالصناعة، وأن تكون مشاريع الأبحاث شراكة بين الجامعة والقطاع لأهداف محددة أهمها الحاجة إلى نتائج الأبحاث وتطبيقها.

3 - الملاحظة الثالثة: هي في مد جسور التعاون بين جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وجامعات المملكة الأخرى؛ فلا شك أن جامعات المملكة تتكامل فيما بينها وتستفيد كل جامعة من الجامعات الأخرى؛ فالأبحاث المشتركة بين أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالله وجامعات المملكة الأخرى في غاية الأهمية؛ فكل جامعة لديها مخزون معرفي وتقني لا يمكن تجاهله. وأفضل طريقة لاستفادة الجامعات من بعضها هو فتح الباب على مصراعيه لجميع نواحي التعاون، ويشمل ذلك تبادل الطلاب بين الجامعات بأن يقضي طلاب الدراسات العليا في جامعات المملكة الأخرى فصلاً دراسياً أو أكثر في جامعة الملك عبدالله أو العكس للاستفادة من الكوادر البحثية والتجهيزات وغيرها.

4 - الملاحظة الرابعة: هي في تعاون جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مع جامعات المملكة فيما يتعلق بالأنظمة واللوائح وأساليب التقويم والاعتماد؛ فجامعات المملكة الأخرى يحكمها نظام مجلس التعليم العالي والجامعات ولوائحه الموحدة وجامعة الملك عبدالله لا شك أن لديها نظاماً تعتمده في تسيير أمور الجامعة الفنية والإدارية والمالية، وتبادل الخبرات فيما يتعلق بهذه الأنظمة بين جامعة الملك عبدالله وجامعات المملكة الأخرى أمر في غاية الأهمية ويساعد في تخفيف الأعباء الإدارية البيروقراطية التي تعيق مسيرة أي جامعة في المملكة. ومن أهم المجالات التي تتعاون فيها الجامعات كلها بما فيها جامعة الملك عبدالله نظام الترقيات والضوابط التي تحكم ترقية عضو هيئة التدريس والكادر الوظيفي وانسجامه مع ما هو موجود في جامعاتنا وجامعات العالم، وحضور المؤتمرات والتفرغ العلمي وغيره مما يهم عضو هيئة التدريس وله دور كبير في تطوير قدراته والارتقاء بمستوى أدائه.

وفق الله المسؤولين في جامعاتنا للعمل الجاد في تطوير التعليم العالي ليحقق أهدافه المرجوة في ظل قيادتنا الرشيدة.. والله من وراء القصد..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد