زلازل الشاقة:
عندما نشطت الزلازل في حرة الشاقة بادرت بدراسات جيولوجية زلزالية بركانية ميدانية في الحرة، حيث قمتُ بعدة زيارات للحرة، كانت الأولى يوم الخميس 11 جمادى الآخرة 1430هـ (4 يونيو 2009م) وعندما وصلت إلى حرة الشاقة وجدت بلدة العيص خالية من الناس وكان قد نُصب في مدخل البلدة وقرب مبنى الدفاع المدني سرادق صغير وعُلِقتْ عليه لوحات ترحيب بأهل العيص العائدين كما كان مقررًا ولكن سبقت أهل العيص إلى بلدتهم فجر ذلك اليوم هزة أرضية بقوة 3,4 درجات بمقياس رختر فتأجلت العودة توجهت ظهرًا مع الأستاذ جمال شوالي إلى مهبط الطائرة المروحية لهيئة المساحة الجيولوجية التي أقلتنا في طلعة جوية فوق العيص وحرة الشاقة حيث تَمكنتُ من رؤية المعالم الجيولوجية للحرة ومختلف مظاهرها من فوهات براكين ولابات وصدوع ومغارات وغيرها، وهبطنا في أكثر من موقع لتفحص بعض تلك المظاهر ومنها كتل الصخور الضخمة المتساقطة من الجبال وخسف الصدع في حرة المقراة في جبل الراكبة والعمقة، وفي ذلك الوقت تعرضت المنطقة إلى هزة أرضية أخرى بقوة 3,8 درجة بمقياس رختر فحمدنا الله على سلامة العودة.
جيولوجيو الدفاع المدني:
توجهنا إلى مبنى الدفاع المدني بالعيص حيث قابلت العقيد زهير سبيه والعقيد مطر سلمان الرشيدي وغيرهم من ضباط وأفراد الدفاع المدني، وفي المساء كان لي فرصة التعرف على الدور الكبير الذي تقوم به شعبة المخاطر الطبيعية في الدفاع المدني والتي تضم عشرات الجيولوجيين في مختلف تخصصات علوم الأرض وذلك من خلال الاجتماع بعدد من الضباط الجيولوجيين التابعين للشعبة ومنهم: المقدم محمد بن عبدالله الشهري وملازم أول سعيد سعد عسيري ملازم أول صالح منير الجعيد وملازم أول عبدالله فيصل الصعب وملازم أول أحمد عبدالله الغامدي وملازم عسكر عبيد العتيبي. لقد تابع جيولوجيو الدفاع المدني النشاط الزلزالي لحرة الشاقة وتفاعلوا مع كل ما نتج عن الهزات الأرضية من آثار بشرية وجيولوجية، كان الاجتماع مثمرًا حيث تم تبادل المعلومات وتحليل مؤشرات الهزات الأرضية في حرة الشاقة وأعماق بؤرها والتصدعات واتجاهاتها وغور مياه الآبار وما قد ينجم عن النشاط الزلزالي من آثار منها احتمال ثورة براكين.
الدفاع المدني والزلازل:
لقد كان لجيولوجيي الدفاع المدني بشكل خاص ورجال الدفاع المدني بشكل عام دور كبير في معالجة الوضع في حرة الشاقة بجدارة ومن ذلك:
دورهم الإنساني في تخفيف معاناة السكان النفسية بعد كل هزة أرضية محسوسة من خلال استقبالهم للسكان والإجابة على تساؤلاتهم الشخصية والهاتفية وطمأنتهم.
دورهم الرئيس في تفقد بيوت السكان في مدن وقرى وبلدات وهجر متناثرة في الحرة لاطمئنان على سلامتها وصلاحيتها للسكن.
دورهم في إخلاء السكان عندما اشتدت قوة الهزات.
دورهم في متابعة الآثار الناجمة عن الهزات الأرضية جيولوجيًا مثل تصدع الجبال وتساقط كتل الصخور الضخمة منها والتصدعات والتشققات الأرضية وغور المياه.
متابعة ما يصدر عن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية من بيانات يومية واتخاذ الإجراءات بما يتناسب معها.
توثيق تلك المعلومات بالتقارير والصور والخرائط.
إن لجيولوجيي الدفاع المدني دور كبير في درء المخاطر والتصدي للكوارث الطبيعية ولقد أثبتوا كفاءة نفتخر بها لمعالجتهم ما طرأ ويطرأ في حرة الشاقة من نشاط زلزالي واحتمال ثورات بركانية وهي (أزمة) جديدة بالنسبة لبلادنا وأهلنا ولقد اكتسب رجال الدفاع المدني بشكل عام خيرة متميزة في معالجة مثل هذه الأزمات.
إدارة الكوارث:
للكوارث أو الحوادث أياً كان مسبباتها طبيعية أم بشرية آثار خطرة يتعرض لها الإنسان وممتلكاته والبيئة المحيطة به ومن هذه الكوارث ما يمكن الحد من آثارها عند التعرف على مسبباتها وطبيعتها وما يترتب عليها وذلك بما يعرف ب(ثقافة الحدث)، فبالنسبة للحوادث التي تتعرض لها حرة الشاقة وما حولها من زلازل واحتمال انفجار براكين هناك أربع جهات رئيسة مسؤولة هي:
1 المتأثرون بالكارثة مباشرة وهم سكان حرة الشاقة وما حولها.
2 الجهة العلمية المناط بها رصد الزلازل والبراكين وهي هيئة المساحة الجيولوجية السعودية.
3 جهة مواجهة الكوارث والطوارئ وهي المديرية العامة للدفاع المدني.
4 الجهات العلمية الأكاديمية وهذه دورها العام هو نشر الوعي العلمي.
ولعظم المسؤولية الملقاة على كل من الجهات الثلاث الأخيرة أمام الجهة الأولى لابد لهذه الجهات من التنسيق فيما بينها واحترام ما يصدر عن كل جهة حسب اختصاصها وعدم التدخل في شؤونها أو التشكيك في قراراتها وذلك لتحقيق سلامة المتأثرين بالكارثة وتخفيف معاناتهم الجسدية والنفسية. إن للجهات العلمية دور كبير في نشر الوعي العلمي بما يسهل مهمات الدفاع المدني ويفسر بيانات وتوصيات هيئة المساحة الجيولوجية ويشيع الطمأنينة في نفوس سكان المنطقة للتعايش مع الحدث بكل أبعاده.
الدراسات الجيولوجية:
الجيولوجيا أو علم الأرض هو مجموعة علوم كثيرة متنوعة كلها تعالج جوانب مختلفة من نواحي الأرض، ومن أسباب درء المخاطر في حرة الشاقة هو القيام بدراسات طبوغرافية جيولوجية جيوفيزيائية مستفيضة للتعرف على طبيعة المنطقة تضاريسياً وحركياً زلزالياً وبركانيًا وذلك للتنبؤ بما سيطرأ على المنطقة من أخطار زلازل أو ثورات براكين محتملة وهذا هو دور هيئة المساحة الجيولوجية من خلال التعاون مع المتخصصين في كليات علوم الأرض والأقسام الجيولوجية في الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ودعم البحوث وعقد الندوات وورش العمل وإقامة المحاضرات، وهنا يبرز أيضًا دور لجيولوجيي الدفاع المدني.
الدفاع المدني والندوات العلمية:
لقد تجاوزت نشاطات المديرية العامة للدفاع المدني حدود النشاط الوطني إلى الدولي عندما دعت ورتبت (الندوة الدولية عن إدارة الكوارث) التي ستعقد فعالياتها في الرياض خلال الفترة من 14 17 شوال 1430هـ بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات في الرياض. وتتجلى أهمية الندوة من خلال استعراض أبرز أهدافها:
1 رصد الجهود المحلية والدولية في التعامل مع الكوارث.
2 متابعة المستجدات في مجال إدارة الكوارث.
3 عرض أبرز التهديدات والمخاطر وكيفية مواجهتها .
4 آليات تفعيل العمل التطوعي بوصفه أحد مقومات نجاح إدارة الكوارث.
5 تبادل المعلومات والخبرات في مجال إدارة الكوارث.
6 تعزيز سبل التعاون على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في مجال إدارة الكوارث.
وتتلخص محاور الندوة في:
1 أسس ومتطلبات إدارة الكوارث.
2 دور التقنيات الحديثة في إدارة الكوارث.
3 الآثار الناجمة عن الكوارث وسبل معالجتها.
4 الأبعاد الأمنية المصاحبة للكوارث.
5 التعاون الدولي في مواجهة الكوارث.
6 الإعلام والكوارث.
7 التجارب الدولية في مجال إدارة الكوارث.
إن المديرية العامة للدفاع المدني رغم تعدد المسؤوليات الملقاة على عاتقها وتنوع المخاطر التي تستعد لمواجهتها فإنها تثبت ومن خلال توجهها العلمي والتوعوي أنها وبإذن الله تنتهج الأسلوب الأمثل في التطوير المستمر لكفاءة منسوبيها المؤهلين للثقة الغالية المناطة بهم فجزاهم المولى عز وجل خير الجزاء.
مستشار جيولوجي جامعة الملك سعود
ibnlaboun@yahoo.com