مع إطلالة يوم الأربعاء الثالث والعشرين من شهر سبتمبر 2009م الموافق الرابع من شهر شوال 1430هـ رابع أيام عيد الفطر المبارك أشرقت شمس ذلك اليوم ونشرت سناها في ربوع المملكة العربية السعودية مع بداية العام التاسع والسبعين لتوحيد المملكة العربية السعودية على يد مؤسسها وصانع أمجادها الإمام الراحل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه) وجعل الجنة مثواه، بعد أن كانت قبل توحيدها على يديه ممزقة الأوصال تسود الفتن والإحن والغزوات كثيرا من أرجائها التي لم تكن تحت سيطرته وينعدم فيها الأمن والأمان، فقيض الله لها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله) رافعاً راية التوحيد، فأرسى فيها قواعد الأمن والأمان والاستقرار ونشر فيها العدل وحكم فيها بشرع الله، وتعاقب على حكمها أبناؤه البررة سعود والفيصل وخالد وفهد رحمهم الله جميعاً وأحسن إليهم إلى أن حمل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الراية وتولى قيادة مسيرة الأمة وفقاً لشرع الله مقتفياً أثر ونهج المؤسس الملك عبدالعزيز (يرحمه الله).
وقد شهدت المملكة خلال تلك السنوات تطوراً وازدهاراً بفضل ما حباها الله به من ثروة فاستثمرت مبالغ طائلة من عائدات النفط في التنمية الداخلية بتأسيس بنى تحتية عظيمة من طرق واتصالات وكهرباء ومياه وصرف صحي وخدمات صحية متطورة ومعاهد ومدارس وجامعات وخدمات اجتماعية، ووفرت لمواطنيها الأمن والأمان وسبل العيش الكريم بمستوى لا يضاهى، وانفقت ميزانيات كبيرة لتوسعة الحرمين الشريفين وتوفير الخدمات الأساسية فيهما لراحة الحجاج والمعتمرين، فقد تميزت المملكة بين كافة دول العالم بموقعها الروحي ومكانتها في قلوب المسلمين بوصفها مهبط الوحي والرسالة على نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم.
وقد أثمرت تلك الإصلاحات وكانت دافعاً قوياً لتدفق الاستثمارات للمملكة لنقل التقنية والمساهمة في النهضة الاقتصادية وتوفير مزيد من فرص العمل في البلاد، كما كانت للسياسات المالية والرقابية الرشيدة دورها الفعال في حماية المؤسسات المالية والاقتصاد السعودي من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أودت بحياة عدد من كبريات الشركات والمؤسسات المالية العالمية التي أعلنت إفلاسها، ولم يتأثر بها قطاع المال والاقتصاد السعودي بفضل الله ثم بما أرسته المملكة من نهج اقتصادي وسياسات مالية محكمة بتوجيهات كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتلك أحد المنجزات الكبيرة التي تضاف إلى رصيده من بعد النظر وحسن التخطيط الذي تميز به يحفظه الله.
فقد اتسمت قيادة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتميزت بالتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى بما حباه الله من نظرة ثاقبة ومنظور طموح متفائل بغد مشرق وزاخر للأجيال القادمة، وتمثلت رؤاه الجريئة، التي تضع بناء الإنسان في مقدمة اهتماماته وأولوياته، في الكثير من الإصلاحات الجوهرية المهمة في القضاء والأنظمة والمؤسسات والهيئات ومنظومة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أرست معالم دولة حديثة تضاهي دول العالم المتقدمة.
لقد كان التعليم هو حجر الزاوية في نظرته الثاقبة لبناء الأمة، فتضاعف عدد الجامعات حتى بلغت ما يزيد على عشرين جامعة منتشرة في كل مناطق المملكة، حيث لم تكن هنالك غير سبع جامعات فقط، كما حرص يحفظه الله على التنمية المتوازنة من خلال مدن الملك عبدالله الاقتصادية والصناعية التي يجري إنشاؤها في عدد من المناطق بهدف تنميتها والنهوض بها.
وقد تفتقت عبقريته وثاقب فكره في إنشاء أعظم وأكبر جامعة في الشرق الأوسط وهي جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية في (ثول) على ساحل البحر الأحمر شمال مدينة جدة، تلك الجامعة العملاقة التي تم إنشاؤها وتجهيزها بأعلى مستوى من التجهيزات لتؤدي دورها كمركز أبحاث علمية متقدم ومتطور عن طريق نخبة من خيرة العلماء العالميين لتطوير الأبحاث العلمية المتقدمة التي تهدف لتعليم جيل من الشباب السعوديين لينهضوا بمسؤولياتهم من خلال الأبحاث العلمية المتطورة والمتقنة التي تعنى بحاجات التنمية في البلاد ليتم من خلالها تحويل الاقتصاد التقليدي والتنمية فيها لاقتصاد معرفة، ولتنويع مصادر الدخل عن طريق فتح آفاق جديدة لموارد اقتصادية ومالية تعزز مركز المملكة الاقتصادي الريادي وتنهض بها وبشعبها اقتصادياً وتنموياً لاستشراف مستقبل زاهر وزاخر بالعطاء والإنجاز.
لقد جاء افتتاح هذا الصرح العلمي الكبير على يد خادم الحرمين الشريفين بمناسبة اليوم الوطني للمملكة وبحضور عدد كبير من الملوك والرؤساء من عدد من دول العالم ونخبة من العلماء العالميين، جاء هذا الحدث التاريخي في هذا الموعد التاريخي ليجدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله العطاء وليضيف لإنجازاته الجليلة معلماً بارزاً يخلد اسمه في سجل العظماء.
لقد أثبت خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مدى تقدم فكره ومواكبته للتطور العلمي والتقني الذي يشهده العالم وحرصه يحفظه الله على أن تكون المملكة رائدة في هذا المضمار بعد أن كانت تابعة ومتلقية للتقنية والعلوم لتنهض بدور ريادي يجعلها في طليعة الدول المتقدمة التي تسهم في بناء حضارة العالم من خلال بناء مجتمعها على أسس علمية متطورة، آخذاً يحفظه الله بأسباب العلم والمعرفة دون التفريط والتهاون بالثوابت والقيم التي أرساها ديننا الحنيف.
واحتلت المملكة مكانة مرموقة بين دول العالم لنهجها وسياساتها المتزنة والمعتدلة في علاقاتها الخارجية مع كافة الدول ولموقعها ووضعها المتميز كشريك اقتصادي فعال مع كثير من دول العالم ودورها الحيوي المحوري سياسياً واقتصادياً في المحيط الإقليمي بين الدول العربية والإسلامية بما تقدمه من عون ودعم لتلك الدول وغيرها من دول العالم.
لقد كانت البهجة باليوم الوطني لهذا العام مضاعفة بافتتاح هذا الصرح العلمي العظيم، ونتطلع بمشيئة الله أن يتجدد العطاء وتثمر الجهود المخلصة الجبارة لخادم الحرمين الشريفين يحفظه الله لأن يهل علينا اليوم الوطني للسنة والسنوات القادمة وبلادنا ترفل بالأمن والسلام والتنمية والازدهار على يدي خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وحكومته الرشيدة. أدام الله عز بلادنا وأمنها واستقرارها وزاد من خيراتها وبارك في شعبها، إنه سميع مجيب.