على الرغم من أن المملكة العربية السعودية نجحت في سحق تنظيم القاعدة على أرضها من خلال سياسة حكومة تجمع بين جزرة ضخمة وعصا أضخم، إلا أن محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية لشؤون الأمن، والتي شهدتها مدينة جدة في الشهر الماضي، توضح لنا العنصرين اللذين تتألف منهما الاستراتيجية السعودية، وتبين لنا كيف فشلت المحاولة التي نفذها تنظيم القاعدة لإحياء حظوظه في البقاء.
الشخص الذي فجر القنبلة هو عبدالله العسيري، وهو مواطن سعودي وعضو تنظيم القاعدة، وكان قد عاد من اليمن زاعماً أنه قد نبذ الإرهاب، معرباً عن رغبته في تسليم نفسه مباشرة للأمير محمد في قصره. وفي وقت سابق من ذلك اليوم كان الأمير محمد قد أمر بنقل العسيري على متن طائرة خاصة من الحدود اليمنية - السعودية، ويقال إنه أمر بعدم تفتيشه بدقة، ولكن العسيري كان بالفعل قد خبأ قنبلة داخل جسده، وكانت القنبلة عبارة عن مادة متفجرة تزن رطلاً واحداً، ولقد فجرها حين اقترب من الأمير، ولكن المادة المتفجرة لم تكن معبأة داخل حاوية معدنية، وعلى هذا فإن القنبلة لم تقتل سوى الإرهابي الذي فجرها.
في ظاهر الأمر قد تبدو هذه الواقعة في نظر أي شخص من الخارج باعتبارها فشلاً أمنياً ذريعاً؛ فالأمر أشبه باستقبال رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي شخصياً لأحد مساعدي بن لادن في حفل في الحديقة. ولكن هذه هي السياسة ذات الطبع الشخصي التي تبناها أفراد العائلة المالكة السعودية في التعامل مع المنشقين على تنظيم القاعدة. والحقيقة أن هذه السياسة، حتى مع ما تنطوي عليه من مخاطر، تفسر جزئياً هزيمة القاعدة في المملكة العربية السعودية. إن السياسات الشخصية تشكل جزءاً مما قد نطلق عليه (مسرح الدولة في المملكة العربية السعودية).
كان الأمير محمد منذ عام 2003 مسؤولاً عن قيادة حملة ناجحة ضد الحركات الإرهابية العنيفة في المملكة، وفيما يتصل بالعمل الأمني المسلح فقد عمل على تكوين جهاز استخباراتي وشرطي داخلي قوي يتسم بالكفاءة في تنفيذ تكتيكاته، وفي الوقت نفسه استغل الأمير الأعراف الثقافية والدينية الراسخة في الضغط على مجندي تنظيم القاعدة وحملهم على التخلي عن العنف؛ فهو - على سبيل المثال - يقدم للذين جنَّدتهم (القاعدة) وأفراد أسرهم إغراءات مالية كبيرة في مقابل العودة إلى الحياة العادية. والأمر ببساطة أن المتشدد الذي يرفض السخاء السعودي يكون بذلك قد منع الطعام من الوصول إلى مائدة أسرته؛ وهو ما يشكل ضغطاً شديداً في ظل ثقافة ودين حيث يتمتع الآباء بقدر عظيم من التقدير والاحترام.
كما أنشأ الأمير محمد برنامج إعادة تأهيل يسعى إلى تنقية الإرهابيين من معتقداتهم المتطرفة من خلال إدراجهم في دورات دراسية تصحِّح مفاهيمهم المغلوطة عن الإسلام الذي يحث على إطاعة ولي الأمر المسلم، كما يتعلم التائبون أن العنف الذي يمارسه الأفراد يشكل إثماً يستحق العقاب من الله. وهذه الدروس تركز على الحجج التي يبرر بها تنظيم القاعدة الهجمات التي يشنها والأشكال التي يمارس بها العنف؛ وعلى هذا فإن القتال من دون إذن صريح من الحاكم يشكل إثماً ومخالفةً للشرع، وينطبق نفس القول على التفجيرات الانتحارية.
كثيراً ما يشتمل الالتحاق بهذا البرنامج على احتفال شخصي يحضره الأمير محمد بن نايف، ويؤكد على الطبيعة الأبوية الشخصية للحكم في المملكة، حيث يُنظَر إلى كل الرعايا باعتبارهم جميعاً أبناءً للعائلة المالكة.
وأخيراً، شن الأمير محمد حملة لمراقبة الإنترنت وحجب المعلومات، ويحرص القائمون على هذه الحملة على رصد وحجب المواقع الجهادية والمنتديات على الشبكة. ونتيجة لهذا أصبح بوسع الأجهزة الأمنية السعودية أن تستشعر نبض الحوارات الجهادية، فضلاً عن استراتيجيات التجنيد التي يتبناها المتطرفون.
كما ألحق تنظيم القاعدة الضرر بصورته بين أفراد الشعب السعودي الذي وقع ضحية للهجمات الإرهابية أكثر من مرة. ولا شك أن التفجيرات الانتحارية للمباني العامة والهجمات على مرافق النفط وغيرها من المرافق الحكومية كانت سبباً في تنفير العديد من السعوديين. فقد أثبتت الهجمات افتقارها التام إلى أي قدر من الشعبية.
بالإضافة إلى ذلك فإن أفراد الشعب السعودي العاديين يرون الفوضى السائدة في العراق المجاور ولا يريدون نفس الاضطرابات في موطنهم. وفي نظر أغلب الناس فإن الاستقرار أفضل من الاضطرابات والفوضى.
وعلى مدى العامين الماضيين، كانت إخفاقات تنظيم القاعدة المتزايدة في المملكة سبباً في إرغام أعضاء تنظيم القاعدة الباقين على قيد الحياة على إعادة تنظيم صفوفهم على طول الحدود مع اليمن؛ ذلك أن التضاريس الجبلية الوعرة هناك وحكومة صنعاء الضعيفة كانتا من أبرز الأسباب التي يسَّرت خلق ملاذ آمن نسبياً. ونتيجة لهذا فقد حظي تنظيم القاعدة بفترة راحة مؤقتة سمحت له بمحاولة إعادة بناء نفسه وتنظيم الهجمات في المملكة العربية السعودية وفي أماكن أخرى. وفي ظل تمردين داخليين متواصلين، والعدد الكبير من السكان، والنضوب السريع لموارد النفط والمياه، تحولت اليمن بسرعة إلى كابوس بالنسبة إلى صناع القرار السياسي في الغرب.
ولكن في الوقت الحالي أصبح بين أفراد الأسرة أمير ينظر الناس إليه باعتباره بطلاً شجاعاً؛ لأنه نجا من محاولة اغتيال بينما كان يمد يده بالسخاء والكرم لمتعصب ناكر للجميل.
خاص بـ«الجزيرة»
(*) برنارد هايكل أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون