Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/10/2009 G Issue 13519
السبت 14 شوال 1430   العدد  13519
أسئلة الثلاثين..
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

أحيانا وهذه الأحيان كثيرة للأسف، يفقد المتابع ثقته بما يطرحه المتصدون للإصلاح الاجتماعي من أفكار تحلق في سماء التنظير (اليوتوبي) المجرد، ويدرك أنها لعبة الكلام تقود المتكلمين؛ حتى تشرق الشمس عليهم وعلى المؤمنين بهم ولو عسعس الليل وأدلج السارون في الظلم.

** ولدى علماء الاجتماع مصطلح يتداولونه حول ظاهرة (الأنوميا anomia) التي تعني - في دلالات موجزة - التناقض بين الوسائل والاهداف، والانفصال بين العناوين الرسمية المعلنة والحقائق المعاشة على الأرض، وما يتبع ذلك من النقص الحاد في المثل والنماذج: شخوصا ومؤسسات.

** ودون إضافات لا يأذن بها المكان والزمان فإن ثلاثين عاما مرت - منذ حركة جهيمان 1400 ه - كفيلة بأن تجعلنا نطرح السؤال الضخم حول ما أنجزه التحول المجتمعي خلال هذه الحقبة؟ وهل استطاع التيار الذي تصدر وسيطر وتصدى لما سواه من تيارات أن يحقق التواصل بين (الما يدعو إليه) وال(ما يمارسه)؟ و(أل)، هنا، التي ستغضب النحاة قليلا)، هي مفتاح الفهم للأنوميا الحادة التي جعلت الاجتهاد البشري القابل للمساءلة والمحاكمة معارف حتمية دون أن يكون حولها إجماع شرعي أو شعبي.

** بدأ كثيرون من سدنة التيار في المراجعة، ومال غيرهم إلى التراجع، لكن إقناع الفرد العادي بأن ما خاله مسلمات قد استحال إلى تجاذبات عمليةٌ شاقة نتمنى ألا تحتاج إلى ثلاثين سنة أخرى من التيه القيمي والأدلجة العبثية.

** المرحلة التي نعيشها - اليوم - تحتاج إلى وعي المسافة بين أحادية السيطرة وبعثرة الاغتراب، وبمقاربة أدق، فإن الجيل- الذي لم يعش التحول الكبير بعد حادثة الحرم، ويمثل أكثر من ثلاثة أرباع السكان - سيفيق قريبا على حقيقة الأزمة الأخلاقية التي عاشها بسبب اختلاط الاصوات التي أصمته دون أن يدري الشعار من الدثار، والغيم من الصحو، وأين تقف المبادئ، بل أين هي المبادئ؟

** ولعل الخطوة الأولى إعلامية ثقافية تتمثل في إعفاء الجيل الجديد من الولاءات المشخصنة، وإعتاقه من الانكفاءات المذهبية، ودفعه للتفكر والتدبر بمنأى عن برامج الإملاءات المحلِّلة والمحرمة التي قادت بعضه إلى الانغلاق وغيرهم إلى الاندلاق.

** ثمة بون بين التقديس والتدنيس، لكننا - بأدرية وعدمها - نخلطهما؛ فلا تستبين المداخل والمخارج، ونوشك أن نستعيد حكاية الوثن الذي هوى.

** في العالم من حولنا مدارس وممارسات، وفي تجاربنا نجاحات وإخفاقات، والغد بحاجة إلى باحثي العقل، ومعتنقي التعدد، وعلماء التجريب؛ فالحياة لا تسير في اتجاه إجباري.

* الاعتراف معرفة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد