إن المتأمل للتجربة الشعرية لكثير من الشعراء، يجد أغلبها في حالة انفصال تام رؤية ورؤيا عن العصر الذي يعيشه، فالشعر ليس قوالب جاهزة، وليس وصفاً خارجياً ولا نقلاً مادياً، كذلك ليس نسفاً للتاريخ والتراث من فكر الشاعر وشعوره، وليس محاربة وعداء للمعجم اللغوي القديم، فعندما أطلق رامبو دعوته (لابد أن نكون عصرين بصورة مطلقة) وقع في فخ الإخفاق والجمود عند حد معين والوقوف عند وصف الشواهد دون التغلغل بأعماقها ذاتياً وفهمها شعورياً، إذ إن الشعر روح تبوح بفلسفتها الجمالية الخاصة، التي تنبع من الذات وتعبر عن مكنونات النفس ويتنفس رؤيتها وانغماسها بالأشياء والعالم دونما نقل جامد ككاميرا المصور التي تعكس اللقطة كما هي، فكلما ابتعد النص عن التقريرية والمباشرة شكلاً ومضموناً، واقترب من تجسيد رؤيته الخاصة والخالصة بحسب ثقافته وخبرته كان أقرب للديمومة والاستمرارية شعراً وذكراً، كما أن للاتصال بالتاريخ والمورث باتزان ووعي توجد علاقة متفاعلة بين الفكرة والبناء بين الشكل والمضمون، فهو عملية تراكمية تنمو تتطور على مر العصور فلا يمكن للمبدع أن يبدع ما لم يقرأ ويعي ما سبقه من آداب وفنون كي يبدع ويطور اللاحق على السابق، فهناك فرق جوهري أن نعيش (في) التراث وأن نعيش ب(التراث)، كما قال ذلك الدكتور عزالدين إسماعيل -رحمه الله-، يقول الأمير بدر بن عبدالمحسن من نص (عظم وغضاريف):