Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/09/2009 G Issue 13513
الأحد 08 شوال 1430   العدد  13513
شهادة من سلطان تستحق التأمل
بقلم: خالد المالك

 

ليس هناك من هو أقرب للحديث عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز من أخيه ورفيق دربه الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي رافقه طفلاً صغيراً، ثم شاباً يافعاً، فمسؤولاً كبيراً، وإلى أن بويع ملكاً للمملكة، فخبر سموه في المليك الجدية في العمل، وسداد الرأي، والحكمة في التعامل مع مستجدات الحياة، والمقدرة الإدارية، بل وكل ما تتميز به شخصية هذا الملك التاريخي في بعدها الإنساني والثقافي والتعليمي والعلمي، وحيثما كانت وجهته وتوجهه اقتصادياً أو سياسياً، ضمن حرصه واهتمامه بمصالح وطنه وشعبه.

***

وحين يتفاعل الأمير سلطان مع افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بمثل هذه المشاعر التي عبر عنها في خطابه التاريخي لأخيه خادم الحرمين الشريفين، فهو بذلك يقول الحقيقة من خلال هذا الرصيد الأمين والوفي والصادق الذي قدمه لنا عن إنجازات الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في وفاء غير مستغرب من سموه، معبراً بذلك عن انطباع حقيقي يشعر به سموه اعتماداً على معرفة لصيقة بحقيقة وواقع تجربة أخيه ورفيق عمره منذ أن جمعهما سقف البيت الواحد وسور المدرسة الواحدة، فضلاً عن التربية والتوجيه اللتين تلقياهما معاً من والدهما الملك عبدالعزيز، حيث يتقارب تاريخ الميلاد بينهما، مع شعور كل منهما بالمسؤوليات الجسام في سنوات مبكرة من عمر كل منهما.

***

وهذه المكانة المثيرة للإعجاب التي يتبوأها الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم تأت مصادفة أو من ضربة حظ، كما أنه لم يكن ليكون هكذا، لولا فروسيته وإقدامه وشجاعته وبعد نظره، بل وما كان له أن يبلغ ما بلغه، وأن ينال كل هذا التميز، باعتباره يمثل الزعامة التاريخية لمرحلة بالغة الأهمية والخطورة معاً، لولا النتائج المبهرة التي حققها سواء محلياً، أو على مستوى الوطن العربي، والعالم الإسلامي، أو عالمياً، إذ إنه جمع من الصفات والمواصفات - بما في ذلك تعامله وحكمته - ما مكنه أن يحقق كل هذا النجاح في مسيرته الوطنية والعالمية في مختلف المجالات وفي كل الميادين.

***

لقد كان ولي العهد في خطابه لخادم الحرمين الشريفين حاضراً وبقوة وهو يتذكر مشوار حياة أخيه وما تحقق خلال هذا المشوار الطويل من إنجازات كبيرة، فلم يكتف سموه في خطابه بالحديث عن الجامعة باعتبار أنها كانت حلماً جميلاً راود الملك على مدى خمسة وعشرين عاماً قبل أن يتحول الحلم إلى واقع فيضاف إلى سجل إنجازاته، وإنما ذهب إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، حين عدد بعض ما تم إنجازه على يدي خادم الحرمين الشريفين وبتوجيهاته وماله الخاص أحياناً، من أجل بناء دولة عصرية، تستلهم مقوماتها من سيرة رجل عظيم وحد هذه الأرض ومعها وحدة قلوب وتوجهات وأفكار المواطنين.

***

والملك عبدالله - ومثلما قال عنه ولي العهد - يحتل مكانة بارزة وتقديراً عالمياً في التاريخ المعاصر، فقد عرف شغوفاً بالوطن، مخلصاً للعقيدة، وفيا للأمة، محباً للإنسانية، وحريصاً على العلم وأهله، وقد سخر ما يملكه من مال وجهد ومكانة للتوفيق بين الحضارات، ولنشر قيم العدل والتسامح من خلال الحوار لحل النزاعات، وتبديد الخلافات، وفتح قنوات التعاون الحضاري بين الأمم والشعوب، فعرفه العالم قائداً ملهماً، وسياسياً حكيماً، داعياً للسلام، مبشراً بالخير، عطوفاً على الفقراء، وحريصاً على العلماء، ويفيض إنسانية ورحمة.

***

وهذا التوصيف الجميل لشخصية مبهرة هو عبدالله بن عبدالعزيز، وبهذا الإيجاز المريح، ومن سلطان بن عبدالعزيز الذي يملك الشيء الكثير من الإلمام والمعرفة بكل ما يتصل بحياة الملك عبدالله من تفاصيل عن أدواره النشطة في خدمة وطنه ومواطنيه، دون أن يتخلى عن مسؤولياته الجسام في خدمة البشرية على مستوى العالم لا يمكن أن تقابل مثل هذه الآراء المنصفة لمواقف وإنجازات هذا الزعيم الكبير، إلا بقدر ما نشعر به نحوه من تقدير ومحبة واعتزاز، حيث إنها لا تحيد عن إجماع الأمة واتفاقها على مكانته البارزة عالمياً من حيث تأثيره في صنع السلام، والمشاركة في المعالجات للأوضاع الإنسانية، ضمن منهج الحوار الذي يأتي ضمن أولويات سياسة خادم الحرمين الشريفين.

***

إن جامعة الملك عبدالله - والكلام للأمير سلطان - ما هي إلا لبنة واحدة في مشروع خادم الحرمين الشريفين الوطني الكبير للتحديث، فقد شيد المدن الصناعية، ودعم الأبحاث والكراسي العلمية، وضاعف عدد الجامعات السعودية، وبنى اقتصاداً يقوم على المعرفة، واستثمر في الإنسان تعليماً وتدريباً وتوظيفاً لأنه ثروة الوطن التي لا تنضب، وكأن الأمير سلطان يريد أن يقول: هكذا يكون الملك العادل، وهكذا يكون الملك الصالح، وأنه بمثل هذا الإنجاز تتمثل شخصية الملك عبدالله بوصفها الشخصية التي أثارت الإعجاب وأبهرت العالم بما أنجزته من مشروعات تمثل طموح الأمة وتنسجم مع تطلعاتها.

***

ولم يكن أمام الملك عبدالله مع هذه المشاعر الصادقة من أخيه الأمير سلطان بن عبدالعزيز، إلا أن يعبر من جانبه عن تقديره لما أبداه سموه، مؤكداً أن ما قام به إنما هو خدمة للدين والوطن، وبأمل أن تكون الجامعة - كما عبر عن ذلك الملك عبدالله - منارة علم يستفيد منها أبناء المملكة فيما يعود نفعه على ديننا ثم بلادنا والعالم أجمع من خلال تمازج العلوم، ويواصل المليك مخاطبة ولي العهد بالقول: ويعلم الله أننا في توجهنا هذا لا نسعى إلا لخدمة ديننا وبلادنا وأهلنا في محيط القيم والأخلاق والأصالة لتعزيز مفاهيم العطاء العلمي تجسيداً على تراب أرضنا الطاهرة، وهكذا وبهذا التناغم - غير المستغرب - يكتب عبدالله لسلطان أجمل العبارات وأصدق الجمل، ويختار أدق المعاني للتعبير عن توجهاته نحو بذل المزيد من الجهد والعمل لخدمة الوطن والمواطن.

***

لقد تزامن افتتاح الجامعة مع ذكرى اليوم الوطني، حيث رأى الملك - ومعه شعبه - أنها مناسبة نستذكر فيها كفاح وعزيمة مؤسس دولتنا الحديثة، ومضيفاً - حفظه الله - أنه خليق بمثل هذه الجامعة أن تكون رمز وفاء لموحد دولتنا الذي أفنى عمره في سبيل الله ثم تجسيد حلمه الوحدوي الذي حمله هاجساً ملحاً وتوجه بقيام دولتنا الحديثة - المملكة العربية السعودية - وأنه وفاء لهذا الرجل العظيم نقدم هذه الجامعة كبعض قطاف زرعه معلماً حضارياً وإنسانياً وعلمياً لعلنا بذلك نفيه بعض حقه من الوفاء، وهكذا هو عبدالله بن عبد العزيز بأسلوبه وعبارته وفكره يعلمنا ونتعلم منه كيف يكون الوفاء، ما لا يمكن إلا لمثله أن يكون بهذا الاهتمام والعناية والحرص لبلوغ رضا النفس في رد بعض الجميل لمن طوقنا بجميله من العطاءات التاريخية التي لا تنسى.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد