الجزيرة - فهد محسن الشملاني:
منذ أن أرسى المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود دعائم الأمن والاستقرار والوحدة أخذ على عاتقه البحث عن مصادر للدخل، ليخرج شعبه من الفاقة والحاجة، إلى الرفاه والتطور، والعيش الرغيد في ظل راية التوحيد التي خفقت فوق أراضي المملكة العربية السعودية.
ودعا جلالة الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) في أقل من سنة على توحيد البلاد الجيولوجيين للبحث والتنقيب عن البترول، وفي الرابع من شهر صفر سنة 1352 هـ الموافق 29 مايو 1933م وقعت المملكة اتفاقية الامتياز مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، وشكّلت هذه الاتفاقية تحولاً هائلاً في تاريخ الجزيرة العربية الحديث، حيث أتى المستكشفون الأوائل لتبدأ حقبة التنقيب عن البترول في أراضي المملكة. وشهدت تلك الحقبة في بداياتها بعض العثرات إلى أن تم في عام 1938 ميلادية اكتشاف بئر الدمام رقم 7 (بئر الخير)، كما سماها -خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- لتنطلق منذ ذلك الحين صناعة البترول السعودية وتنطلق معها آمال قادة بلادنا، وطموحات شعبها، لبناء حياة عصرية تأخذ بكافة أسباب التطور والتقدم.
وقد توافد الجيولوجيون الأوائل في 23 سبتمبر 1933م ونزلوا عند (قرية) الجبيل الساحلية التي تبعد نحو 105 كيلو مترات شمال مدينة الدمام، وما أن التقطوا أنفاسهم حتى امتطوا الإبل والسيارة في يوم وصولهم نفسه لكي يلقوا نظرة على (جبل البري) الذي يقع على بعد 11 كيلو مترا جنوب الجبيل بعدها بأسبوع قاموا بالتوغل جنوباً وإجراء فحص جيولوجي لتلال جبل الظهران لتتواصل بعدها عمليات الفحص والبحث والتنقيب التي لم تحقق أي نجاح ذي قيمة لمدة سنتين.
وفي 30 إبريل 1935م تقرر بدء العمل في حفر بئر الدمام رقم (1) وبعد سبعة أشهر من التأرجح بين الأمل واليأس والإخفاق والنجاح أنتجت البئر دفعة قوية من الغاز وبعض بشائر الزيت وذلك حينما وصل عمق الحفر إلى قرابة سبعمائة متر ولكن أجبر عطل في المعدات طاقم الحفر على إيقاف تدفق البئر وتم سدها بالأسمنت.
وكانت بئر الدمام رقم (2) أفضل حالاً.. وقد بدأ العمل في حفرها في الوقت الذي أغلقت فيه البئر الأولى أي في 8 فبراير 1936م. وما أن جاء يوم 11 مايو من نفس العام حتى كان فريق الحفر قد وصل إلى عمق 633 متراً، وحينما اختبرت البئر في شهر يونيو 1936، تدفق الزيت منها بمعدل 335 برميلاً في اليوم، وبعد انقضاء أسبوع على ذلك الاختبار، وإثر المعالجة بالحامض، بلغ إنتاج الزيت المتدفق من البئر 3840 برميلاً يوميا. شجع ذلك على حفر آبار الدمام 3 و4 و5 و6، دون انتظار التأكد من أن الإنتاج سيكون بكميات تجارية أو التعرف على حجم الحقل المكتشف، وكان يفترض أن تسير الأمور بشكل طبيعي، لكن حدث في ذلك الوقت ما لم يكن متوقعاً، فقد أخفقت بئر الدمام رقم (1) بعد أن جرى حفرها إلى عمق يزيد على 975 متراً.
أما بئر الدمام رقم (2) فقد تبين أنها (رطبة) بمعنى أنها تنتج الماء بشكل رئيس، إذ كان إنتاجها منه يزيد بمقدار ثماني أو تسع مرات على حجم إنتاجها من الزيت.
ولم يزد إنتاج بئر الدمام (3) على 100 برميل من النفط الثقيل يوميا، مع وجود الماء في هذا الإنتاج بنسبة 15 بالمئة. وبالنسبة لبئري الدمام رقمي (4) و(5) فقد اتضح أنهما جافتان، أي غير قادرتين على إنتاج أي سوائل. وكذلك كان الحال مع البئر رقم (6). ثم صدر قرار بإعداد بئر عميقة لتكون بئر اختبار وهي بئر الدمام.
بئر الخير (رقم 7) التي فجرت تاريخ البترول السعودي
وكانت زيادة حجم العمل تعني المزيد من الرجال والعتاد والمواد، وأصبح موقع العمل غير قادر على استيعاب الزيادة في عدد العاملين.
ومع نهاية عام 1936م، ارتفع عدد العاملين من السعوديين إلى 1076 عاملا بالإضافة إلى 62 عاملاً من غير السعوديين. وفي السابع من ديسمبر 1936م بدأ اختصاصي وحفر الآبار الاستكشافية في حفر بئر الاختبار العميقة رقم (7).. وإذا كانت الآبار الأخرى مخيبة للآمال، فإن البئر رقم (7) لم تكن خالية من ذلك في البداية.. فقد حدث تأخير في عملية الحفر، كما كانت هناك بعض المعوقات، حيث انحشر أنبوب الحفر، وحدث كسر في جنزير الرحى، وسقطت مثاقيب الحفر في قاع البئر المحفورة، وكان لا بد من التقاطها.
كما حدث انهيار لجدران البئر. ورغم وصول جهاز الحفر الرحوي - الذي يعمل بقوة البخار - إلى طبقة البحرين الجيولوجية فقد ظلت النتيجة واحدة وهي أنه: لا يوجد نفط! بعد ذلك بعشرة أشهر، وبالتحديد في 16 أكتوبر 1937م، وعند عمق 1097 مترا، شاهد الحفارون البشارة الأولى: 5.7 لتر من الزيت في طين الحفر المخفف العائد من البئر، مع بعض الغاز. وفي آخر يوم في عام 1937م، حدث أن أخفقت معدات التحكم في السيطرة على البئر، وكان أن ثارت البئر قاذفة بما فيها من السوائل والغازات. وبعد الحفر إلى عمق 1382 متراً، لم يجد فريق الحفر كمية تذكر من الزيت. لكن سرعان ما تغيرت الأحوال.
ففي الأسبوع الأول من مارس 1938م، حققت بئر الدمام رقم (7) الأمل المرجو، وكان ذلك عند مسافة 1440 متراً تحت سطح الأرض، أي بزيادة تقل عن 60 متراً عن العمق الذي كان الجيولوجيون يتوقعون وجود النفط عنده، فقد أنتجت في الرابع من مارس 1938م، 1585 برميلا في اليوم، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 3690 برميلا في السابع من مارس، وسجل إنتاج البئر 2130 برميلا بعد ذلك بتسعة أيام، ثم 3732 برميلا بعد خمسة أيام أخرى، ثم 3810 براميل في اليوم التالي مباشرة.
وواصلت البئر عطاءها على هذا المنوال مما أكد نجاحها كبئر منتجة. وفي ذلك الوقت، كان قد تم تعميق بئري الدمام رقم (2) ورقم (4) حتى مستوى المنطقة الجيولوجية العربية. ولم تخيب هاتان البئران آمال الباحثين عن النفط، فقد أعطتا نتائج طيبة. وعم الفرح والسرور أرجاء مخيم العمل في الدمام.
وتتويجاً لعصر جديد توجه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في ربيع 1939م، يصحبه وفد كبير إلى الظهران مجتازاً صحراء الدهناء ذات الرمال الحمراء حتى وصل إلى مخيم الشركة، ليجد مدينة من الخيام في مكان الحفل حيث أقيمت مدينة بالقرب من المخيم، قوامها 350 خيمة لتكون مركزا للاحتفالات التي تضمنت زيارة الآبار. وإقامة الولائم، واستقبال وفود المهنئين، والقيام بجولات بحرية في الخليج العربي.
وتزامن توقيت زيارة الملك عبدالعزيز مع اكتمال خط الأنابيب الذي امتد من حقل الدمام إلى ميناء رأس تنورة، بطول 69 كيلو متراً، حيث رست ناقلة النفط التي أدار الملك عبدالعزيز الصمام بيده لتعبئتها بأول شحنة من النفط السعودي.
وهكذا، كانت هذه أول شحنة من الزيت الخام تصدرها المملكة على متن ناقلة في 11 ربيع الأول 1358هـ الموافق للأول من مايو (آيار) 1939م.
وتوالت اكتشافات الخير وكشف النقاب عن عدد من حقول الزيت، ففي 15 (أغسطس) 1951م، حصلت السفانية على أول كنوزها عندما تدفق النفط من جهاز حفر تابع ل(أرامكو) بكميات تجارية. لكن الشعور بالابتهاج والإثارة لم يدم طويلا، فمع انتهاء أعمال البحث عن الزيت كانت هناك شكوك حول جودة الزيت المنتج. إلا أن الشركة قررت بدء الإنتاج من الحقل، في خطوة معقدة ومكلفة، تطلبت الكثير من الوقت لأعمال الهندسة والإنشاء. وكشفت (أرامكو) في تقرير مراجعتها السنوية للأعمال لعام 1954م، عن قيامها بإعداد الخطط لإنشاء المرافق لبدء الإنتاج من حقل السفانية في عام 1957م. وبدأ الإنتاج من حقل السفانية، فعليا، حسب الجدول المقرر في منتصف (إبريل) 1957م. وكان قرار الشركة معتمدا على الارتفاع المستمر في استهلاك الزيت في أوروبا الغربية والشرق الأقصى، وقد شكل الزيت في ذلك العام 22 في المائة من الاستهلاك الإجمالي للطاقة في أوروبا الغربية، أي ما يصل إلى أكثر من 2.5 مليون برميل في اليوم.
ومنذ ذلك الحين، طورت (أرامكو) حقول زيت كبيرة أخرى في المنطقة المغمورة، بما فيها حقل (أبو سعفة) الذي اكتشف في عام 1963م وبدأ الإنتاج في عام 1966م، وحقلا الظلوف ومرجان اللذان تم اكتشافهما في عامي 1965 و1967م على التوالي وبدأ الإنتاج فيهما في عام 1973م، وحقل منيفة الذي اكتشف في عام 1957. بعد هذا كله، يبقى حقل السفانية المعيار الذي تقاس به جميع الحقول الأخرى، ويعتبر الأقدم والأكبر، حيث يغطي مساحة تبلغ 50 كيلو مترا طولا و15 كيلو مترا عرضا، وينتج أكثر من 1.2 مليون برميل في اليوم.
أما حقل الغوار والمسمى - بسيد الحقول - فلم يعرف تاريخ صناعة الزيت في العالم كله حقلا نفطيا أكثر أهمية وإنتاجا منه. ومنذ اكتشافه عام 1948م، وهو يدهش الباحثين والمنقبين بامتداده الجيولوجي الذي يعود إلى 199 مليون سنة عند أقصى التقديرات و145 مليون سنة عند أدناها.
بدأ إنتاج حقل الغوار عام 1951م، ولكنه سرعان ما أثبت تقدما كبيرا على الحقول الأخرى بإنتاج الزيت بكميات لا يضاهيه فيها أي حقل على مر تاريخ صناعة الزيت. وهو ما دعا خبراء الزيت إلى إجراء المزيد من الأبحاث فيه. وفي بداية عام 2000م، توصَل فريق مختص إلى نتيجة مثيرة للاهتمام كشفت عن مزيد من الحقائق المدهشة. فقد أجرى الباحثون قياسات علمية لشبكة التكوين الجيولوجي وكشفوا عن شبكة مسامية دقيقة هائلة من المسارات الخفية في الصخور الجيرية تحتضن كميات كبيرة من كنوز الزيت. ولا يزال الفريق يعمل على تطبيق هذه النتيجة الجوهرية لتنقيح المفاهيم الأساسية ونماذج حقل الغوار لتحسين التوقعات الخاصة بالاستخلاص.
وبقيت بعض الكنوز النفطية صامتة إلى أن أعلنت وجودها عام 1948م، عبر اكتشاف نفطي رفع الحجاب عن جوهرة تمدّ العالم بالطاقة. ويعد مكمن عرب - د، هو المكمن الرئيس في حقل الغوار، ويبلغ سمكه 100 متر، وقد تكون زيته بصفة حصرية من الصخور الطينية الجوراسية الغنية بالمواد العضوية، ومن هذا المكمن يأتي معظم إنتاج الغوار من الزيت. ويملك الحقل كل مقومات الإنتاجية العالية، حيث يمتاز بالمسامية والنفاذية العاليتين بسبب وجود مسافات عديدة بين الصخور وبسبب طبيعة تركيبتها التي تسمح للزيت السائل والغاز الطبيعي بالتدفق عبر الصخور، وفضلاً عن ذلك فإن درجة استخلاصه عالية جدا.
أما مكامن (عرب - سي) و(الحنيفة) و(الفاضلي) فهي من المكامن النشطة في الغوار الذي تم تقسيمه إلى ست مناطق تم اكتشاف كل منها على حدة. وتبعا لتاريخ الاكتشاف فإن (عين دار) هو الأقدم حيث اكتشف عام 1948م، ثم (حرض) المكتشف عام 1949م في أقصى جنوب الحقل، ثم (العثمانية) 1951م، و(شدقم) 1952م، و(الحوية) 1953م، و(الفزران) 1957م.
في عام 1941م، اكتشف الزيت على عمق 5900 قدم في بئر بقيق رقم 1 ووصل عمق الحفر في البئر في النهاية إلى 6180 قدما، وكان أول إنتاج للبئر من الزيت يقارب نحو 9720 برميلا في اليوم.
ويشكل حقل القطيف أهمية كبيرة ليس للمملكة واقتصادها، وإنما للعالم أجمع، إذ تمثل احتياطيات الزيت للحقل كميات كبيرة. وينتج حقل القطيف كمية كبيرة من مزيج الزيت العربي الخام الخفيف من ثلاثة مكامن في حقل القطيف هي (عرب سي) و(عرب دي) و(الفاضلي الأسفل), لكونها تختزن أكبر من احتياطيات متبقية.
وكان حقل القطيف قد اكتشف في عام 1945م على شاطئ الخليج العربي، ويبلغ طوله 50 كيلو مترا، وعرضه عشرة كيلو مترات, ويضم سبعة مكامن للزيت تحتوي على 8.4 مليارات برميل من الزيت.
ويتكون حقل القطيف من القبتين الجيولوجيتين الشمالية والجنوبية، حيث يقوم معمل فرز الغاز من الزيت رقم 2 في القطيف ويرسلها إلى مرفق المعالجة المركزية وبعد المعالجة والتركيز ينقل الزيت إلى الجعيمة ورأس تنورة، بينما ينقل الغاز إلى معمل الغاز في البري شمالا.
إضافة إلى حقل حرض وعدد من الحقول الأخرى المكملة لمنظومة الزيت في المملكة.
تم الاستغناء عن البئر رقم (7) في عام 1982م لانخفاض الطلب على الزيت، وسدت بالأسمنت عام 1989م مراعاة لأصول السلامة، لضمان عدم تسرب المياه إلى البئر أو تسرب الزيت الخام منها.وقد أصبحت بئر الخير جزءا من تاريخ تطور حضارة هذا الكيان الشامخ، ورمزاً يمثل نقطة انطلاق المملكة نحو عصر من الرفاهية والازدهار.
وأطلق عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اسم (بئر الخير) أثناء رعايته - حفظه الله - لاحتفالات شركة (أرامكو) بمرور 75 سنة على قيامها.
وقد أصبحت المملكة العربية السعودية منذ اكتشاف البئر المنتجة الأولى دولة ذات ثقل اقتصادي عالمي كبير إضافة إلى ثقلها ومكانتها الدينية الكبيرة، وهي تحظى باحترام دول العالم قاطبة، نظراً لكميات البترول الوفيرة لديها ولسياستها الاقتصادية والبترولية الإيجابية والمعتدلة، حيث تساهم المملكة في خير هذا العالم وتقدم شعوبه عبر إمداده بالطاقة، وأصبحت مشروعاتها ومرافقها البترولية تنتشر فيما وراء المحيطات، كما تنتشر في المملكة، حيث لا تغيب الشمس عن هذه المشروعات والمرافق.
تعد المملكة أكبر دولة بترولية في العالم من حيث كميات الاحتياطيات الثابتة والإنتاج وكميات التصدير, حيث تحتفظ المملكة بربع احتياطيات العالم من البترول، وهي أكبر الموارد الطبيعية الثابتة على وجه الأرض. كما تحتفظ المملكة بأكبر رابع احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي).
وبالنظر إلى متوسط معدلات إنتاج الزيت الخام الحالية في المملكة - كما قال معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي - فإن التقديرات المتحفظة للاحتياطيات الثابتة وحدها في المملكة تتوقع استمرار الإنتاج لمدة ثمانين عامًا تقريبًا. مؤكدا على الطبيعة المتحفظة لهذه التقديرات، وخاصةً على ضوء التقنيات الحديثة في مجالي التنقيب والإنتاج، وكذلك القدرة على مر السنين على تعويض الإنتاج السنوي باحتياطيات جديدة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يطيل من أمد هذه الموارد الهائلة بصورة كبيرة.