هناك فارق كبير بين تذكر اليوم الوطني، وبين الإحساس بأهمية الوطن ومسئوليتنا تجاهه. فللوطن حق كبير على أبنائه، وحق الله في المحافظة عليه أكبر وأعظم. من يحتفي باليوم الوطني ويخالف الأنظمة والقوانين لم يعرف معنى الوطنية ولم يستشعرها في صدره. ومن يتذكر ملحمة المؤسس الملك عبدالعزيز (رحمه الله)، وتضحية الأبطال، ثم لا يعمل على حماية الوطن ما قد يتعرض له من أخطار فهو أبعد ما يكون عن معاني الوطن السامية. ومن يحرص على نشر مشاعره الوطنية من المسؤولين وهو مقصر في أداء مهام عمله، وخدمة مواطنيه فقد خالفت علنيته سريرته وناقضت أقواله أفعاله. الاحتفاء بالوطن يفترض أن يتحول إلى ممارسة حقيقية على أرض الواقع، وإن كُرس له يوما خالدا يتذكر فيه الأبناء نعمة الله التي وهبهم إياها وأن رزقهم الوحدة، والأمن والأمان، والخير والازدهار على يد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه).
بالشكر تدوم النعم، وشكر نعمة الوطن العظيم الذي وهبنا إياه الباري، والمُحتضن لأطهر البقاع قاطبة على وجه المعمورة، مكة والمدينة، هو سبب من أسباب بقائه ونمائه. والكفر به من أسباب الزوال والعياذ بالله، وهل هناك أشد كفرا بنعمة الله من محاربتها وازدرائها، والسعي في تدميرها، كما يفعل الإرهابيون ممن تمسحوا بالدين ولبسوا عباءته، فأصبحوا معول هدم وتدمير لمقدرات الوطن، وممن يحاربون الله ورسوله وأولي الأمر ويسعون في الأرض فسادا؛ قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
في هذا اليوم المبارك نتذكر بفخر واعتزاز تضحية الأبطال في صناعة المجد والتاريخ، وتأسيس دولة الإسلام، وإقامة شرع الله على أرضه. نتذكر ما قام به أبناء المؤسس من بعده، رحمهم الله، وما يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز،
وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني، والمخلصين من أبناء هذا الوطن. نتذكر عمارة الحرمين الشريفين، وخدمة الحجاج والمعتمرين، وطباعة المصحف الشريف، ومنارة العلم السلفي النقي، ونور الإسلام، والعلوم النافعة، والجامعات ومناشط الحياة المدنية الحديثة. نتذكر بفخر، ونشهد معاني الرحمة والمحبة، والتآخي في الله، وصدق النصيحة التي يمارسها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تعامله الداخلي مع مواطنيه، والخارجي مع إخوانه المسلمين. نشهد نصرته للإسلام والمسلمين، ومواقفه المشهودة وغيرته على حقوق المسلمين. نشهد عطاءه السخي لإخواننا في الخارج، وكرمه وعطاءه في الداخل.
في يوم الوطن، يد طاهرة تبني وتُرفع للمولى عز وجل بأن يبارك ويحفظ على هذه الأمة النعم، ما ظهر منها وما بطن؛ ويد قذرة تضغط على زرار الغدر والخديعة لتفجر المسلمين الآمنين، وتسفك الدماء المعصومة في شهر رمضان المبارك. اختلال في الفهم، والغايات، والهمم. جماعات إرهابية تسعى لتدمير المقدسات، وإضعاف الدين، ونشر الفتن، وتقوية المذاهب الفاسدة باسم الدين، وهو منهم براء. جماعات استحوذ عليها الشيطان، والاستخبارات الأجنبية فأوردوها المهالك، وطوعوها لتكون معول هدم لبلاد الإسلام ومنارة الهدى ومهبط الوحي. في يوم الوطن، قدم الإرهاب هديته القذرة الملطخة بالدماء، لوطن الرحمة والصفاء، محاولة اغتيال أحد أبنائه البررة ممن يقومون على أمنه وحماية مقدراته. هدايا الإرهاب القاتلة للوطن متفجرات يستخدمونها لنسف الحضارة، وتدميره، والقضاء على منارة الإسلام في أرضه الطاهرة.
في يوم الوطن، يجب أن نصافح يد البناء والتشييد، تلك اليد التي طالما رُفعت متضرعة لله، وسعت في إعمار الأرض، وتنمية الإنسان والمكان؛ وأن نقطع يد الإرهاب والفساد التي امتدت لتلطخ أرضنا الطاهرة بدماء المعصومين، واستماتت لتدمير الحضارة الإسلامية، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين. اقتصاد الوطن في مواجهة الإرهاب في يوم الوطن نتذكر يد الخير الكريمة التي امتدت لدعم الاقتصاد، والتخفيف عن المواطنين حتى في أحلك الظروف العالمية. خلال السنوات الأربع الماضية نجحت يد الخير في إعادة هيكلة الاقتصاد، ودعم الصناديق التنموية، وخفض الدين العام، وزيادة قدرة المملكة الإنتاجية في مجالات النفط، وبناء بيئة الاستثمار التنافسية التي أسهمت في جعل المملكة في مقدم دول العالم الجاذبة للاستثمار الأجنبي. في يوم الوطن نتذكر ميزانيات الخير الضخمة، وما نتج عنها من تنمية حقيقية للوطن والمواطنين.
سجلت ميزانية العام 2008 أعلى إيرادات في تاريخ المملكة بقيمة 1.1 تريليون ريال، وبفائض حقيقي بلغ 590 مليار ريال مقارنة بفائض متوقع حدد بـ40 مليار ريال. أتى الفائض القياسي ليؤكد قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وسلامة الوضع المالي الذي أضيف له فوائض مالية ضخمة ساعدت في تعزيز الاحتياطات لمواجهة متغيرات الظروف. الإيرادات الضخمة ساعدت في خفض الدين العام إلى 237 مليار ريال أي بما نسبته (13.5%) وهو أمر إيجابي يحسب للحكومة في حسن تعاملها مع الدين العام. في الوقت الذي مر فيه العالم بأزمة طاحنة، جاءت ميزانية الخير للعام 2009 لتكشف عن قدرة السعودية على مواجهة الأزمة بقوة متسلحة بالإيمان ثم الإدارة الحكيمة التي تتعامل بحكمة مع إيرادات الدولة وفق المصلحة العامة وما تتطلبه منها الظروف المحيطة. برغم الظروف العالمية استمرت الدولة في زيادة الإنفاق العام على مشروعات التنمية، وسجلت مشروعات العام 2009 م زيادة لافتة مقارنة بالعام 2008م، زيادة الإنفاق الحكومي ساعد في حماية الاقتصاد المحلي من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
أكد الملك عبدالله، خلال مراسم الإعلان عن ميزانية العام الحالي، (على الأهمية القصوى لتنفيذ المشاريع على الوجه الأكمل وأن يؤدي الإنفاق العام الذي حرصت الدولة على زيادته، الغرض من أجله، وهو نمو الاقتصاد الوطني وحمايته، وتوفير فرص الاستثمار والعمل والكسب فيه، خاصة أن العالم بأسره يمر بأزمة مالية واقتصادية تقتضي منا جميعاً اليقظة والمتابعة والحرص والتعامل مع ما وفرته الميزانية من إمكانات بكفاءة تعظم، بإذن الله، من نتائجها).
أقر الملك عبدالله ميزانية توسعية للعام 2009 م مقارنة بما أُقر في ميزانية العام 2008 م على الرغم من ضبابية الاقتصاد العالمي، وأسواق النفط التي تعول عليها السعودية كثيرا في تحقيق أهدافها التنموية. برغم العجز الافتراضي قامت خطة الملك عبدالله التنموية على أساس الاستمرار في مشروعات التنمية وعدم المساس بمصالح المواطنين. وجه الملك باعتماد برامج ومشاريع جديدة تزيد تكاليفها الإجمالية عن 225 مليار ريال بزيادة نسبتها (36%) عمّا تم اعتماده بميزانية العام 2008م، وهو يفوق بثلاثة أضعاف ما تم اعتماده في بداية خطة التنمية الثامنة التي بدأت قبل أربع سنوات. اللافت في ميزانية هذا العام استئثار قطاع التعليم بنحو 122 مليار ريال. وهو ما يمثل أكثر من ربع اعتمادات الميزانية الجديدة. تعهد الملك عبدالله برصد 400 مليون دولار للإنفاق الحكومي، بغض النظر عن تداعيات الأزمة، وما ستؤول إليه إيرادات الدولة. الإنفاق الحكومي هو المحفز الحقيقي للاقتصاد المحلي، وهو ما يؤدي إلى إشاعة الثقة المستقبلية بالاقتصاد وضمان واستمرارية مشروعات التنمية.
في مقابل أعمال الخير والبناء وتنمية الوطن، نستحضر ما قامت به يد الإرهاب التي سعت لتدمير اقتصاد الوطن، وتدمير منشآته النفطية، المصدر الرئيس لإيرادات الدولة، وكأنهم بفعلتهم القذرة يستهدفون المواطنون أنفسهم، والحضارة المدنية، وأيادي الخير الممتدة لخدمة الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم.
بالرغم من شعارات الإرهابيين الدينية، ومطالباتهم المستمرة ب (إخراج المشركين من جزيرة العرب( وتسويغهم قتل النفس التي حرمها الله، من خلال التأويل الخاطئ لتعاليم الإسلام ونصوصه الصريحة، إلا أن هدفهم الحقيقي كان موجها ضد أمة الإسلام واقتصادها الذي تعتمد عليه، بعد الله، في بناء الإنسان والمكان، وإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، وتنمية المجتمع، ودعم الإسلام والمسلمين.
الاقتصاد هو هدف الإرهابيين الأول، ومن خلاله أرادوا تعطيل مؤسسات الدولة، وشل خطط التنمية، وإعادة المجتمع المدني إلى عصور الظلام، ووقف المساعدات الإنسانية للدول والأقليات المسلمة في أنحاء العالم. حقول النفط ومجمعات التكرير كانت من أهداف الإرهابيين الرئيسة، أو ربما أهداف مسيريهم من الجماعات الاستخباراتية. فشل الإرهابيون في مساعيهم القذرة، ونجح الوطن، بفضل الله ورعايته وبركته، ثم بعزم وإصرار رجال الأمن، وإخوانهم المواطنين على حماية الدين، ثم الوطن من عبث العابثين، وجور المفسدين.
عمليات استباقية لحماية الاقتصاد
أشارت دراسة أمنية صادرة عن وزارة الداخلية السعودية أن القوى الأمنية تمكنت من إجهاض 31 عملية إرهابية كانت تستهدف قطاعات الاقتصاد. 11 عملية كانت موجهة لاستهداف قطاع النفط والتكرير، و20 عملية خططت لتدمير مرافق اقتصادية مختلفة. الدراسة أكدت على أن ( الاقتصاد السعودي صمد في وجه العمليات الإرهابية، على رغم الآثار المباشرة وغيرها، وذلك بفضل السياسة الاقتصادية والخطط الأمنية الاستباقية التي أحبطت (76%) من العمليات الإرهابية). وأكدت الدراسة الأمنية على أن الإرهابيين رغبوا ( في إظهار قوة الفكر الإرهابي ضد مجتمعهم، فاتجهوا إلى تدمير جزء من البنية التحتية الأساسية في السعودية، إلى جانب استهداف المرافق الاقتصادية كالمنشآت النفطية وغيرها من المشاريع المهمة التي كلفت الدولة أموالاً باهظة، وان استهدافهم سيكون على حساب مشاريع تنموية أخرى تخدم المواطن والمقيم).{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْر الْمَاكِرِينَ}، استهداف الاقتصاد لم يحقق للإرهابيين إلا الخيبة والضياع، في الوقت الذي حمى الله سبحانه وتعالى مقدرات الوطن وثرواته التي وجهها ولي الأمر لخدمة الوطن والمواطنين والإسلام والمسلمين. أضمر الإرهابيون المكر والخديعة، فأوقعهم الله في شرور أعمالهم، وأجزل لهذه البلاد الطيبة الخير والعطاء، وأعزها بين دول العالم وحفظها من شرور الغادرين الماكرين، ورزقها بأكبر إيرادات سجلتها المملكة منذ تأسيسها، حيث سجلت ميزانية 2008 م إيرادات بلغت قيمتها 1.1 تريليون ريال.
برغم الظروف القاسية، وتهديدات الإرهابيين، وعملياتهم الإجرامية نجحت المملكة في تسجيل اسمها في قائمة مجموعة الدول الصناعية العشرين الأكبر في العالم. وأصبحت من الدول الرئيسة المساهمة في إصلاح النظام المالي العالمي لمكانتها وقوة اقتصادها. عقدت مجموعة العشرين قمتين في غضون ستة أشهر، الأولى في واشنطن، والأخرى في لندن، بدت فيهما مكانة المملكة العالمية وأهمية مشاركتها في معالجة النظام المالي العالمي، والقضايا الاقتصادية. في القمتين كانت مشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لا فتة. أتت مشاركته، حفظه الله، في القمة للبحث في أسباب الأزمة العالمية وسبل معالجتها تتويجا للدور السعودي الرائد في تعاملها مع القضايا الدولية، وتأكيدا لقدراتها الاقتصادية المؤثرة. السعودية كانت وما زالت العامل المهم في استقرار أسواق النفط، وبرزت مؤخرا كواحدة من الدول الفاعلة في المساهمة بإصلاح النظام المالي العالمي.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وصفت مشاركة خادم الحرمين الشريفين في القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين، بأنها (دليل واضح على الدور الكبير الذي تضطلع به السعودية اقتصاديا على المستوى العالمي ومساهمتها مع زعماء الدول الصناعية والغنية لإنهاء الأزمتين المالية والاقتصادية). هناك ثقة عالمية بقدرات المملكة القيادية، وبمقدرتها على حلحلة الوضع المالي المتأزم؛ وقناعة تامة بأن الحلول الممكنة لإخراج الاقتصاديات المتأثرة من مرحلة الركود لا يمكن أن تتم بمعزل عن المشاركة السعودية. أسعار النفط، وضمان تدفق الإنتاج، والمحافظة على استقرار الأسواق العالمية هو العامل الأهم في عملية إنقاذ اقتصاديات العالم المتأثرة.
أكد الملك عبدالله في خطابه أمام قمة العشرين أن (العولمة وزيادة الاعتماد المتبادل بين الدول حتم وجود الدول الناشئة المهمة في عضوية المجموعة، ما يجعل دورها حيويا وضروريا في التصدي للقضايا الاقتصادية العالمية، حيث أثبتت خلال السنوات الماضية قدرتها على بناء التوافق بين الدول المتقدمة والناشئة، ومن ذلك المساهمة في دفع الإصلاحات في صندوق النقد الدولي، وفي تطبيق المعايير الدولية، وفي توفير نقاشات بناءة حيال التغيرات السكانية، وأمن الطاقة، والتجارة وغيرها من القضايا المهمة). أخذت المملكة على عاتقها مساعدة الدول الإسلامية والعربية المتضررة من تداعيات الأزمة العالمية في الوقت نفسه أبدت استعدادها في المساهمة في دعم الإصلاحات المالية العالمية من خلال صندوق النقد الدولي، بحسب إمكاناتها وبما لا يؤثر على خططها التنموية واقتصادها بشكل عام. لم تكن المساهمة المالية محور الدعم الرئيس بل كانت هناك محاور نظامية وإصلاحية أخرى ساهمت فيها المملكة من خلال وزارة المالية ومؤسسة النقد المعنيتين بالشؤون المالية والنقدية على وجه الخصوص.
وبتوفيقٍ من الله وبركته، وبرغم الظروف القاسية، وتهديدات الإرهابيين، احتلت المملكة المركز التاسع عالمياً من حيث الاستقرار الاقتصادي محققة أرقاما قياسية من حيث جودة مؤسساتها وبناها التحتية إضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدم للمواطن. واحتلت المركز 13، متصدرة دول العالم العربي والشرق الأوسط كأفضل بيئة استثمارية وفقا لتقرير أداء الأعمال الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية IFC التابعة للبنك الدولي الذي يقيم بيئة الأعمال في 183 دولة ومدى تنافسيتها الاستثمارية.
تلك المراكز المتقدمة تكشف عن نوعية العمل والإدارة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده ونائبه الثاني، وتبرهن على التطور الكبير الذي شهدته المملكة خلال السنوات الماضية. مع بداية تفجر إرهاب (القاعدة) الداخلي كانت المملكة تحتل المركز 93 في تراتيب التنافسية العالمية وفقا لبيانات البنك الدولي، وخلال خمس سنوات، ومع اشتداد هجمات الإرهابيين تقدمت المملكة بثبات، وبتوفيق الله وبركته، إلى المركز 13 عالميا. وبذلك تنتصر إرادة البناء والتنمية التي يقودها بثبات الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويؤمن بها المواطنون على إرادة الدمار والتشرذم والقهر والفقر التي يتبناها الفكر (القاعدي) الضال.
حصول المملكة على المركز 13 عالميا كان نتيجة مباشرة للتطوير الشامل، والتوجيهات الملكية بتحسين بيئة العمل ودعم قطاعات الإنتاج، والاستثمار في التنمية، واستكمال مشروعات البنية التحتية. لم يكن المركز 13 منتهى طموح المملكة بل تسعى الجهات المسؤولة لتحقيق أحد المراكز العشرة الأول خلال السنوات القادمة، وهنا يظهر الفارق الكبير في الأهداف والغايات بين الفكر التنموي المنفتح الذي يسعى إلى تحقيق هدف إعمار الأرض، وتشييد قلاع القوة في أمة الإسلام، وبين الفكر (القاعدي) الذي يسعى إلى تحقيق هدف تدمير الاقتصاد، وتفجير البنى التحتية، وتجييش المواطنين وتحويلهم إلى قنابل موقوتة يستغلها في تحقيق أهدافه التفجيرية.
الوفرة المالية لخدمة الحرمين الشريفين
وتبقى مكة المكرمة والمدينة المنورة وجهة ولاة الأمر، ومركز اهتمامهم. لكل ملك بصمة عمرانية وتوسعية في الحرمين الشريفين. اليوم تشهد المدينتين المقدستين توسعات ضخمة لخدمة الحجاج والمعتمرين وزوار مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. يشهد الحرم المكي الشريف أكبر التوسعات على الإطلاق. التوسعة طالت المساحات المحيطة، والحارات القريبة. نهضة عمرانية ضخمة ستغير من وجه مكة التقليدي. أبراج ضخمة، سكك قطارات، ساحات شاسعة، وأحياء سكنية حديثة تزيد من جمال المدينة المقدسة، وتعطيها حقها العمراني المفقود. الزيادة الضخمة في إيرادات الدولة للأعوام الماضية قابلتها خطط تنموية مهولة في المدينة المقدسة. الإنفاق الحكومي السخي على المدينتين المقدستين يعكس حجم الاهتمام السعودي بأطهر البقاع على وجه المعمورة.
المشاريع التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة تهدف إلى توسعة ساحات الحرم المكي، وتطوير المناطق المحيطة به وإعادة تهيئتها للزائرين، وبناء أحياء جديدة، وخلق محاور موجهة إلى الكعبة تربط بين محيط الحرم والمسجد الحرام. إضافة إلى بناء الفنادق والمراكز التجارية والأسواق والخدمات العامة، ومساكن أهالي المنطقة، والخدمات المتعلقة بهم.
يغطي المشروع مساحة شاسعة من المنطقة المركزية التي كانت تشهد اختناقات، وسوء تنظيم، ومحدودية في طاقتها الاستيعابية. قدرت التكلفة الإجمالية للمشروع، الذي ربما استغرق العمل به نحو 10 سنوات، 40 مليار ريال سعودي وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الاهتمام الذي توليه القيادة السعودية بالمدينة المقدسة.
استثمرت الحكومة السعودية جزء لا يستهان به من ميزانية الدولة في عمارة الحرمين الشريفين، وتهيئتهما للحجاج والمعتمرين والزائرين. لم يكن الإنفاق المالي هو الجانب اللافت في الجهود المباركة، بل إعادة تخطيط المدينتين المقدستين، وتطويرهما وعمارتهما بحسب التصاميم العالمية الحديثة بات المحور الأهم الذي سيتغير بموجبه الشكل العام للمدينتين. وكما أن يد الخير المباركة امتدت لعمارة المسجد الحرام، وتهيئته للحجاج والمعتمرين، تقربا لله سبحانه وتعالى، فقد امتدت يد الشر الإرهابية لتدمير المنشئات واستهداف الحجاج الآمنين في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام، ولولا عناية الله سبحانه وتعالى، ثم يقظة رجال الأمن الذين أفشلوا مخططات الجماعات الإرهابية بعمليات استباقية، لكانت النتائج وخيمة ولا شك.
ستبقى يد الخير ممتدة لبناء صروح الخير المباركة، وحماية الوطن، وتنميته، وستظل بإذن الله خادمة لمقدساته، متعلقة بها؛ ترتفع نحو السماء داعية بالخير والبركة لكل من سكن هذه البلاد الآمنة، وداعية بالهداية لكل من أغواه الشيطان وأستمع له وأصبح معول هدم لكيان الأمة المباركة التي نسأل الله أن يحفظه من كل شر ومكروه.
التوبة والعفو في يوم الوطن
يوم الوطن، هو يوم التصالح مع النفس، والمجتمع، والعودة إلى الحق، والتزام الجماعة، ونبذ الفرقة والتشرذم؛ والعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وباب التوبة للخارجين على الأنظمة والقوانين مفتوح وقد أكد عليه ولي الأمر، فليطرقه التائبون وليدخل منه العائدون إلى الحق، رحمة بأنفسهم، وأسرهم، وصيانة لوطنهم ومقدساتهم، وحفظا للدماء المعصومة. يد الوطن مفتوحة لأبنائه التائبين، وقلوب ولاة الأمر أكثر رحمة بهم ممن يحتوونهم في الخارج لاستغلالهم في عمليات إرهابية ضد أهلهم ووطنهم ومقدساتهم الطاهرة.
يوم الوطن، مناسبة كريمة للعفو الملكي الكريم، وما أجله وأكرمه، عن كل من عاد إلى جادة الصواب، ولم تتلطخ يده بدماء المسلمين، أو يُقدم على عمل تخريبي... التائبون الموقوفون ممن قُدِرَ عليهم، وتابوا وأصلحوا، وقضوا جل محكوميتهم ربما كان في العفو عنهم سببا لتثبيتهم على الحق، وإشارة رحمة لمن كان معهم ممن لم يُقدَر عليهم، وجبرا وتطييبا لنفوس أمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم، وبركة للبلاد والعباد. قال تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وقال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}، وقال في سورة النور: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أ َ لَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، نسأله تعالى أن يحمي هذه البلاد، وولاة أمرها وشعبها وزائريها من كل شر ومكروه، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يعافي مبتلاهم، وأن يجزل المثوبة والعطاء لكل من سعى في إعمار هذه البلاد الطيبة، وتنميتها، وحمايتها من شرور الأعداء.
* * *
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM