Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/09/2009 G Issue 13510
الخميس 05 شوال 1430   العدد  13510
عطاؤها وعطاؤه
نادر بن سالم الكلباني

 

اشتكت - على غير عادتها - صداعاً في رأسها، ومثلها تغالب في يومها صيانة ورعاية أسرة تتنوع طلباتها ولا تنتهي، لابد وأن يأتي وقت يتعب فيه رأسها ويثور صداعه، ولأنها الحبيبة أم العيال - كما يقول -...

... التي تقاسمه حلو هذه الحياة ومرها، فلابد - والأمر هكذا - أن يخاف على سلامتها وتثور في نفسه على غير عادة منه مشاعر لا يظهرها في الغالب إلا في مثل هذه اللحظات.

سألها بأرق ما يعرف من عبارات: ما بك يا حبيبتي؟ قالت: ألم في رأسي يكاد يفجره؛ فتفنن هذا المحب في إسداء نصائحه، تارةً يطلب منها أن تتناول قرص أسبرين أو بنادول، وأخرى ينصحها بمشروب ساخن علَّ هذا الصداع يذهب دون رجعة.. المهم أن فعله لا يتعدى كلاماً يبين من خلاله حرصه وخوفه عليها ثم ينشغل بعدها بمتابعة ما يهمه فعلاً؛ إما قراءة جريدته وإما متابعة مباراة فريقه المفضل.

في الليل لم تهنأ المسكينة بنوم من أثر الصداع واشتداد وقعه، وهو في كل مرة متسلح بما يعرفه من حنان، يكرر عليها نصائحه التي يظن أنها تساعد على التخلص من هذا الصداع، لكنه على الرغم من فرط الحنان الذي يتلبسه لم يكلف نفسه عناء إعداد ما يطلبه منها بنفسه، كمبادرة فعلية تؤكد اهتمامه وحرصه على ذهاب هذا الصداع الذي قد يكون هو وأبناؤه المتسببين فيه، وينسى - وما أكثر ما ينسى - عندما اشتكى هو من إرهاق بسيط ماذا فعلت لأجله، وكيف كانت كالفراشة تحوم من حوله، تسامره وتسري عنه.. تربت على رأسه مرة، وأخرى تقيس حرارته وتسمعه أحلى الكلمات، وتجتهد في تهيئة كل الوسائل التي تساعده - بعد إرادة الله - على أن تعود إليه عافيته ونشاطه، لا تتركه لحظة من فرط حرصها وخوفها عليه.

وهذا هو الفرق بينه وبينها؛ فهي تفعل لأجله كل ما تستطيع من قول وعمل بينما يكتفي هو بالكلام والتوجيه، وهذا ما يؤكد قناعتي أنها إذا أعطت لا تطفف فيما تعطي، ولا تبخس من عطائها شيئاً، فهي كريمة دائماً بطبعها، ولا تسعى إلى غير أن يشيع الحب في حياتها وحياة مَن حولها ويكبر، بينما هو بخيل بطبعه وقليل في عطائه، ولا يعطي أصلاً إلا لهدف واحد منشود لا غيره.. وهو ليس إشاعة الحب بكل تأكيد.. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد