ودارت به الليالي ليقضي ليلته هذه في ذات الغرفة التي ضمتها منذ عشر سنين، لم يتبدل الأثاث: الخزانة الخشبية، السجاد، الستائر، المقاعد حول الطاولة الزجاجية، السرير أمسى الآن بعيداً عن النافذة، فكر في إعادته إلى موضعه لتكتمل الصورة، سرعان ما عدل عن الفكرة، وأخذ يتأمل الأشياء من حوله يتذكر التفاصيل، تتراقص المشاهد حوله، يراها تعود إليه هنا بعد عشر سنين من الغياب.
على هذا المقعد جلست تحدثني عن المستقبل عن أحلامها، عن الأشياء، التي تحبها، كانت طيبة حد السذاجة؟ هل كنت أشعر بروعتها كما تبدو لي الآن؟ نظر جهة التلفزيون: إنه نفس الجهاز لم يتغير أيضاً، ترى ألا يزال يحتفظ بنفس المشاهد التي رأيناها معاً؟ عشر سنين من الغياب.. ترى من يتحمل مسؤولية اقترافنا؟
لست أنا بالتأكيد.. ولا هي أيضاً.. فمن إذا؟!
لعلها الأقدار! لقد كانت بريئة نقية، كان إخلاصها وحياؤها جمالها الحقيقي.. آه ما الذي جاء بي إلى هنا هذه الليلة؟
تناثرت الأسئلة حوله ملأت زوايا الغرفة، كاد غبارها يحجب عنه الأشياء التي أحبها.
انتصف الليل.. تبعثرت اللحظات.. تكاثرت الأسئلة شعر بأنها تخنقه.. حاول الإمساك بتفاصيل مرت من هنا في ليلة دافئة منذ عشر سنين.. تذكر المواقف والكلمات والهمسات والضحكات، جاءت الذكريات صافية تمسك كل واحدة بيد الأخرى، تفر منه اللحظات، يتركها ويجري وراء زهور تلك الليلة يلملمها ليزرعها فيما تبقى له من لحظات ليلته هذه، أخذت الأسئلة العطاشى تدور حول رأسه تتحول إلى زوبعة تعبث بكل الذكريات الجميلة توشك أن تكون إعصاراً يقتلع الزهور التي نبتت على حواف ليلته لم يبق له سوى تلك الزهور التي تفوح برائحة التفاصيل، بإصرار طرد كل الأسئلة، مسح غبارها بدموع تترقرق في عينيه وعندها هطلت تلك اللحظات التي سكنت غيمتها في زاوية قصية من سماء ذاكرته هنا في ذات الغرفة حضرت تلك الليلة وقد ازينت بكل تفاصيلها، حضر هو، وحضر الشوق، وغابت هي.