Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/09/2009 G Issue 13503
الخميس 27 رمضان 1430   العدد  13503
صورة على جدار
شيماء عبدالله

 

كانت تسير بلا إرادة، شعرت أن روحها غابت عنها وأن وهناً دب في جسدها وسقماً غلف قلبها وأنه لا وجود للعالم من حولها. قادتها قدماها إلى مكان بعيد، بعيد عن المكان والزمان، ظلت تنظر حولها فلم تر سوى جدران غطتها الأتربة ونسج عليها العنكبوت بخيوطه قصص بشر عاشوا فيها وجدار به شق كالذي في قلبها. دارت في المكان وبحثت ولكنها لم تعرف ذلك المكان لم تتذكره ولكنها كانت تداعب أنفها رائحة تجذبها للماضي وتشعرها براحة أنها تألف ذلك المكان ولكنها لا تتذكره.. وهناك على ذلك الجدار لاحظت وجود صورة معلقة لم تتبين ملامحها حين نظرت إليها فقد غطتها الأتربة وخيوط العنكبوت.. اقتربت منها وأزالت الأتربة وخيوط العنكبوت.. كانت الصورة لصبية حين رأتها عيناها أتت إليها ومضات من ماضي بعيد صعقت عقلها وأبهجت فؤادها. بسمات كانت على الشفاه وضحكات تعلو في المكان ولعب ولهو وأب كادح في مكتبه وأم تعد العشاء وصبية تحلم بالمستقبل ولها أحلام بحجم السماء. وهنا وضحت لها ملامح من الصورة فتذكرتها، فتاة كانت تحمل بقلبها براءة الطفولة ونداوة الشباب، إنها صورتها التي كانت عليها منذ سنوات طويلة قبل أن تترك ذلك البيت وتترك وراءها عائلة أحبتها وبغضت غربتها وشمس أصيل تسقط أشعتها على جدول ماء يحفه النخيل من جانبيه وتركت أيضاً وروداً حمراً فقتلت بيديها أحلام صاحبها.. تركتهم جميعاً حاملة حقيبتها لتسلك طريقاً طويلة باحثة عن مال وشهرة وذات ظنتها ضائعة منها خرجت من سكونها وتركت الصورة توجهت إلى نافذة كانت خلفها فرسمت على ثغرها ابتسامة ولمعت عيناها حين نظرت من خلال النافذة ورأت الشمس ما زالت ساطعة وجدول الماء كما هو والنخيل على حافتيه يداعبه النسيم..

دخل هواء النسيم رئتيها وأعاد لها نسائم ماض تهفو إليها روحها منذ زمن وأزال عنها وعن جسدها وجزء من سقم قلبها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد