على خلفية مقال سابق كتبته عن كيفية الإسهام في الحد من انتشار إنفلونزا الخنازير على المستوى الشخصي، تلقيت اتصالاً كريماً من الأستاذ بندر بن ناصر السبهان، الذي اهتم بمضامين المقال من واقع اهتمامه في القضية نفسها ومتابعته لتطوراتها الإعلامية والصحية..
..وقد تحدث عن مسألة تزامن عودة الدراسة مع انتشار أوسع للمرض، مقترحاً فكرة رائعة من الممكن أن تُسهم في تعزيز الجانب الوقائي في المدارس مع بداية الدراسة، كما أشار إلى مسألة مهمة وهي وجوب التركيز على (الجانبين الديني والاجتماعي) في قضية هذه الإنفلونزا الوبائية، وحتى تتضح مرئيات الأستاذ السبهان حول فكرته المقترحة تحديداً، أقول إن الجدل الدائر حالياً في أوساطنا الاجتماعية بشأن إنفلونزا الخنازير يتمحور حول فرضية (تأجيل) الدراسة، في مقابل عدم التأجيل والتركيز على اتخاذ الاحتياطات اللازمة وتشديد التوعية بالوقاية، وهو جدل طبيعي في أي مجتمع وظاهرة صحية لأنه يعكس قلق الناس ما يعني وعيهم بالوضع، ولكن هذا الجدل يجب ألا يلهينا عن جهودنا الوقائية أو يغير مسار أعمالنا الصحية، فبغض النظر عن تأجيل الدراسة لفترة معينة قصرت أو طالت، فإن الواجب أن نعمل في حكم الظروف الاعتيادية أي في إطار واقع عدم التأجيل، بمعنى أن نهتم ب(الوقاية الصحية) المطلوبة سواءً تأجلت الدراسة، أو بدأت في موعدها المحدد.
فكرة الأستاذ السبهان أن نستثمر الأيام الأولى للدراسة في قيادة وتوجيه الطلبة والطالبات بشأن هذا المرض الوبائي بما يشبه الصدمة. أي تحويل الأسبوع الأول إلى (مهرجان التوعية الوقائية)، بدايةً من دخول الطالب أو الطالبة المدرسة وحتى الخروج منها، بحيث يتكون المهرجان من فعاليات متنوعة ومستمرة تُسهم في تشكيل الوعي الكامل لدى الطالب أو الطالبة ب(خطورة المرض) و(أهمية الوقاية منه) و(كيفية التعامل مع مستجداته)، فيكونا بذلك من قنوات الوعي المتنقلة داخل الأسرة وفي المجتمع وتكون القضية برمتها عالقة في ذهنهما وتتداخل مع سلوكياتهما وعاداتهما اليومية. يبدأ المهرجان باستقبال الطلبة والطالبات عند أبواب ومداخل المدارس بتوزيع (الكمامات الواقية) عليهم، وغسل أيديهم ب(السوائل المطهرة)، ثم استغلال طابور الصباح والإذاعة المدرسية بإعطائهم معلومات مركزة ووافية عن المرض والتعليمات الواجب اتباعها وتنبيههم بعدم الحضور للمدرسة في حال الشعور ب(أعراض المرض) الأولية.
بعد دخولهم الفصول يتم تزويدهم بالكتيبات الصحية والمطويات الإرشادية لهم ولأسرهم، كي تثبت في أذهانهم المعلومات والإرشادات التي سمعوها خلال اليوم الدراسي، كما تحدد أين تكمن مسؤولية البيت؟ وكيف تتعامل الأسرة في حال إصابة ابنها أو ابنتها بالمرض؟، أو ظهور بعض الأعراض أو الاشتباه بها، بوجوب بقائه في المنزل وتبليغ المدرسة بذلك.
كما يجب تزويد المدارس ب(أجهزة قياس الحرارة) ذات الجودة العالية، وتكوين فريق صحي من بعض منسوبي أو منسوبات كل مدرسة، يكون لديه قدراً كبيراً من الوعي الصحي ومعرفةً بالإجراءات الوقائية، لأجل أن يتولى مراقبة الوضع العام بين الطلبة أو الطالبات وتسجيل أية ملاحظة، فضلاً عن تجهيز غرفة (للعزل المؤقت)، وعمل أنشطة توعوية مستمرة كل يوم خلال الأسبوع الأول، مع وضع اللوحات الإرشادية والرسوم التوضيحية وبث الرسائل التذكيرية عبر الإذاعة المدرسية، بحيث نصل بإذن الله في نهاية هذا المهرجان الوقائي، الذي تم خلال الأسبوع الأول للعام الدراسي إلى (وعي عام وتام) بين كل الطلبة والطالبات، عندما يستشعرون خطورة المرض مع أهمية الوقاية منه في خفض هذه الخطورة إلى أدنى مستوياتها، من خلال التقيد التام بتعليمات وزارة الصحة. لأن التوعية المستمرة والمتنوعة توقظ الشعور بالمسؤولية وتعطي انطباعاً بخطورة الوضع في حال إهماله أو التقليل من سلبيته، بخاصة أن الوسط التعليمي مزدحم في طبيعته والمخالطة واسعة بين أفراده لمدة تتجاوز الست ساعات خلال اليوم الواحد، كما أنه أكثر الأوساط الاجتماعية نقلاً للمعلومة والمعرفة في كل المجتمع. يبقى التركيز على الوعي من خلال الجانبين الديني والاجتماعي، وهذا نتحدث عنه في فرصة قادمة إن شاء الله.
Kanaan999@hotmail.com