لم يرحل من يقابل بهذا القدر من الوفاء، ولا يرحل من احتوته القلوب واحتضنته الأفئدة بين جوانحها ، وإن رحل الجسد فإن بقعة من الود والحب شاسعة قد تركها الفقيد الدكتور صالح بن عبدالله المالك.. ومن أراد أن يعرف مدى الحب والتقدير الذي أحيط به من زملائه وأصحابه ومعارفه فليقرأ كتاب (فقيد الشورى ذو الأمانتين) الذي أعده الأستاذ خالد المالك كومضة سريعة من فيض ما يكنه أبو بشار لذاك الرجل النبيل، ولا يقيس قدر الرجال غير من خبرهم وعرفهم، أو كما قال معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر في صفحة (18) من الكتاب: (نعترف بكفايته ومقدرته وتواضعه وحبه لمن حوله، ما عرفه عارف إلا وجد فيه مثال الأخوة الصادقة ومراعاة الزمالة)، وفي ما احتواه الكتاب من مقالات وقصائد تأبينية في الدكتور صالح المالك -طيب الله ثراه- ما يبرهن بجلاء على ما كان للرجل من هيبة ووقار وصدق مع الله ومع النفس والناس، وهؤلاء شهود في الأرض على ما شاهدوه ولمسوه من الرجل وما قالوا إلا صدقاً وعدلاًً.
عذراً أبا بشار فإني أعرف أنك لا ترنو إلى إطراء ومديح لما صنعت وجمعت في هذا الكتاب وفاء لابن العم والصديق الحبيب، غير أن علو شأن طريقتك ولطيف تصديرك قد استثار ما أكنه لك من تقدير ووفاء أيضاً.. فإن كنت -أيدك الله- وفياً لمن يستحق الوفاء فاسمح لمن يعبر لك بشيء من هذا المعنى وأن قصر الباع وامتنعت بلاغة الكلمة عن مجاراة حسن ما أبدعت يراعك، وجميل ما طرز قلمك، ولا عجب فإن لوعة فراق الأحباب لاسيما من كانوا بقامة وقدر الدكتور صالح لابد أن تفتح القريحة لتضوع بأطيب الطيب وتنثر أعطر الرحيق ليتماهى مع الذكرى العطرة والسيرة النقية للفقيد النقي، فبارك الله بأعمال الراحل جسداً، وبارك بأعمال الأوفياء الأماجد، فهو وأنتم أهل لكل ذلك، أمدك الله بعمر مديد وعمل صالح غادق بالوفاء والإخلاص.