حينما قال أبو الطيب :وجداننا كل شيء بعدكم عدم لم يكن يعلم في تلك اللحظة أن أكثر من عشرين مليون متنبي من الذين وقفت الظروف أمام رؤيتهم سيفهم في دولتهم المباركة بقيادة مليكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين سيستعيرون هذا الشطر..
في أول الاثنين من شهر رمضان المبارك نحضر زرافات ووحدانا لتهنئة سموه في
مجلسه الوقور،ضاربين أكباد الإبل متجشمين عناء الطرق والجسور الملتوية للسلام على شخصية آسرة بادلت الناس الحب فاستحقت منهم الحب والتقدير، شخصية مملوءة بالمكارم والرجولة وإنزال العرب وبيوتاتهم منازلهم، والحق أنها مثيرة بطولها الفارع، وشموخها الباذخ، وابتسامتها المميزة، والأجمل في ذلك المجلس أنه يأسرك منذ دخوله بالبخور ومشاهدة وجهاء المجتمع وطوائفه حتى الانتهاء من مأدبته والأمير يدير الحديث بطريقة تدفع الملل والرتابة في مجالس من هذا النوع... ونغادره والجميع يتمنى أن كل يوم هو يوم الاثنين، ونودعه على أمل اللقاء في مجلسه الأسبوع القادم... ولكن هذا الاثنين الرمضاني استثنائي بتفاصيله، إذ تعذرت رؤيته بالعين المجردة وكأنه هلال رمضان هذا العام وما تباشيره إلا أشبه بالتباشير على ألسنة الناس إن تمت رؤية الأميرين سلطان وسلمان يستقبلان ضيوفهما في نشرات الأخبار ليتابعوها في نشرات لاحقة، ومنظرنجد بأوديتها وشعابها وجبالها وجسورها وميادينها التي تزينت في غيابه يثير الشفقة وهي تسترق السمع وتشحذ النظر من بين الجموع وترصد الفضائيات والنشرات والصحف وتصعد كل ثنية، وتكتسح المراصد الفلكية شوقا لأميرها وحبيبها وهلالها، تترقب رؤيته وعودته ولسان حالها يقول له ياسيدي وحبيبي إن كان الجدب والشح في المطر قد هد فجاجي هذا العام فلا تجعل شح رؤيتك وغيابك يهد جوانحي أيضا ياسيدي.. إن ما يهون هذا الغياب الموجع أنك في خدمة أخيك ورعايته، ولا يمكن أن تنسى وقفاتك مع مليكك وأخيك الفهد في مرضه، وحرصك الشديد على من حولك فكأنك ولد بار بالكبير منهم ووالد رحيم بالصغير منهم، وكل من في مجلسك يدركون تغير نبرة صوتك وانتقائك لعبارتك حينما يأتي ذكر أحد إخوتك في حديثك وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله لنا وللوطن والأمة ذخراً... فنعم الأخ أنت ياسلمان.....
أخوتك ليست ادعاءً،تحققت أركانها في الواقع الذي يشهد بسبابته على شعورك الإنساني تجاه الأخوة السامية في عروقك، تركت أسرتك ورياضك ومسؤولياتك وصلاحياتك ولزمت من يستحق اللزوم، تشاطره عافيتك وسلامتك، لتمنح مجتمعك وأسرتك دروسا في البر والتآخي والأخوة...
صدقا سلمان... أصبح جزءا من تكويننا الوطني الإنساني الذي يبحث عن العظماء ويحتفل بهم في حياتهم ويسير في ركابهم ويقتدي بهم في صورة تعجز كل الدراسات النفسية والأنثربولوجية، عن فهم هذه الظاهرة والتنظير حولها ولكنها تتفق في النهاية أن سيكولوجية الإنسان تدفعه دائما لتجاوز ذاته للبحث عن أشخاص آخرين متميزين يجد فيهم البطولة، ولذلك من يسبر أغوار تأريخ هذه الشخصية المباركة يدرك ما يتمتع به سموه من خلق وقيمة وكرم ومن يتشرف بلقاء هذا الأمير الشهم يحس أنه أمام قامة في العلم والسياسة والإدارة، وفي حضرة هامة البذل والتضحية حتى شهدت بذلك أوجه البر والإحسان ، يميز أميرنا الشهم خبرته الواسعة، واطلاعه على التأريخ والواقع المعاصر...
كثيراً من أفراد الأسر الحاكمة في التاريخ شغلتها السياسة وفتنتها الدنيا عن واجباتها الأسرية ومسؤولياتها الشعبية ولكنه أمير يختلف، إذ لم يتجرد من إنسانيته وعاطفته تجاه من حوله، فقد رافق أم فهد سبعة أشهر، ورافق الملك فهد مايقاربها وهاهو في معية الأمير سلطان أكثر من تسعة أشهر... ومازال يعطي ويعطي ويرحم الله من عباده الرحماء...
وكثيرا من أفراد الأسر الحاكمة تأبطوا كتاب ميكافيلي (الأمير) الذي يقوم على أفكار الاستبداد والدكتاتورية ليستمروا في حكم يؤكد أن لهم صلاحيات وينسوا أن عليهم مسؤوليات في ظل مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ولكنه أمير نسف مبادئ ميكافيلي بطريقة تؤكد أن حب الناس هو الضمان الحقيقي للاستمرارية والخلود... ومازلت أذكر ثناءه على كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي، ولن يثني عليه من يرى الاستبداد شرعة ومنهاجا...
لا أدري لماذا شعرت بحزن عميق، وعبرة خنقتني، وحنين غمرني من رأسي حتى أخمص قدمي حينما تجاوزت طريق التخصصي قبل أيام لتلبية دعوة من عزيز بعد انقطاع عن ذلك الطريق من منتصف شهر ذي القعدة الماضي بعد سفرسموه في معية أخيه وكنت وغيري نسلكه في يوم الاثنين لحضور مجلسه الموقر.. أذكر أنني استحضرته في خاطري وهوجالس على أريكة الإنسانية والمحبة في وسط محبين تكبدوا عناء الطرق ووعثاء السفر وقذفهم الحنين بين يديه من قرى نجد المترامية الأطراف... وتساءلت ما هذه الشخصية الفذة وماهذه الرجولة التي استحقت كل هذا الولاء والوفاء ومن هذا القرم الاستثنائي الذي يجبر العثرات... حتى استحت منه الحاجات، وكأن هاتفا من رحم الغيب تولى الجواب قائلا:
إنه شخصية بمواصفاتها القيادية ورؤيتها الإبداعية تحفر حروفها على سفر الزمان لتعطر أروقة التاريخ وتصنع مفرداته بكل استثنائية، فأين أنت أيها المفكر العالمي الكبير أرنولد توينبي حينما طرحت للعالم نظريتك (التحدي والاستجابة).. وكانت محصلتها النهائية أن التحدي المبني على رؤية وهدف وعمل.. ينتهي إلى تحقيق استجابة الإنجاز التاريخي...لترى أن هذا الأمير بكل تفاصيله قد أثبت صحتها دونما حاجة إلى تجارب ومعادلات إذ وصل إلى النقطة الحرجة التي تمثل غاية طموح منظومات القيم في عالم الإنسانية ونهاياتها ولاعجب في ذلك إذ تشهد الأيام والليالي أنه امتداد لشخصية والده ومليكه الذي أجرى الله على يديه أعظم التحولات التأريخية في هذا الوطن الإسلامي المبارك، إذ تلقى التعليم في مدرسة الأمراء التي أنشأها الملك عبد العزيز- حتى احتفى به المليك رحمه الله حينما ختم القرآن في يوم الأحد 12- 8-1364هـ، وبدأت مسيرة العطاء وخدمة الإنسانية برعايته مؤسسات مدينة خيرية غير حكومية NGOS ولا أدل على ذلك من جهوده في جمعية البر.. إلى جمعية رعاية الأيتام.. إلى مشروع الإسكان الخيري.. إلى جمعية رعاية المعاقين.. إلى رعاية مرضى الكلى.. إلى مسابقة تحفيظ القرآن... ويزهو مشروعه الإنساني بإرث ما زال قائماً..يستمده من آبائه الصيد في مجالسهم المفتوحة فينظر قضايا الناس ويحل مشاكلهم، ويقرأ الوجوه بنظر ثاقب وذاكرة حاضرة تستنطق المواقف ويستقرئ الأحداث...فأي أمير أنت ياسلمان وأي إنسان أنت يا أبا فهد!!!
صدقا... يملك (كريزما) نوعية فكراً ورؤية وعمقاً ووضوحا، ولاعجب إذ يترأس سموه منذ عام 1375هـ - 1956م عددًا من اللجان والهيئات الرسمية والمحلية لجمع التبرعات لمساعدة المحتاجين والمتضررين من النوازل والكوارث ويكفي الإنسانية شرفا وعدلا ورحمة أنه أطلق حملة (ادفع ريالا تنقذ فلسطينيا ) حينما أطلقت إسرائيل حملة (ادفع شنكلا تقتل فلسطينيا) وحصد على هذا العمل الإغاثي الإنساني أعلى الأوسمة والجوائز... نعم ياسيدي قيادتك فن وعلم، موروث ومكتسب، ولدت قائدا ونشأت قائدا، وكل من عملوا معك سعوا إلى النجاح بكل طاقاته لأنهم يحبونك فحبوا عملك وتكليفك وإدارتك، نعم يا سيدي تقدمت الصفوف وملكت القلوب دون مناورة أو مؤامرة فأنت باختصار أكبرمما قالته دايان تريسي ذات يوم : (ليست لدينا وصفة سحرية للقيادة، إنها فن وصنعة وبراعة وموهبة، بعض الناس يولدون قادة، وبعضهم الآخر يتعلمونها... فالقيادة هي عملية تحريك مجموعة من الناس باتجاه محدد ومخطط وذلك بحثهم على العمل باختيارهم. والقيادة الناجحة تحرك الناس في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم على المدى البعيد... والقيادة أيضا منهج ومهارة، وعمل يهدف إلى التأثير في الآخرين والشخص القيادي هو ذلك الشخص الذي يحتل مرتبة معينة في المجموعة، يُتوقع منه تأدية عمله بأسلوب يتناسق مع تلك المرتبة، والقائد هو الذي يُنتظر منه ممارسة التأثير والنفوذ في تحديد أهداف المنظمة وبلورتها وتحقيقها. القائد الأمين هو الذي يتقدم الصفوف، وليس الشخص الذي يناور ليتصدر الناس).... شهر مبارك على سموك، وتقبل الله صيامك وقيامك وبرك أبا فهد، والله من وراء القصد.
abnthani@hotmail.com