Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/09/2009 G Issue 13501
الثلاثاء 25 رمضان 1430   العدد  13501
الحبر الاخضر
الغارم والحق المنسي في عصر الطبقات
د. عثمان بن صالح العامر

 

وصلتني مساء يوم السبت الماضي عبر بريدي الإلكتروني هذه الرسالة - المقال، ولقناعتي بأهمية الموضوع وشموليته واتساع دائرة المهتمين به، أنقل ما جاءني كما هو، وأترك التعليق للقارئ الكريم والتعقيب للعلماء وأهل الاختصاص ورجال الأعمال المعروفين بحبهم للخير وقربهم من تفاصيل الوجع اليومي للمواطن السعودي، ونص ما جاء (سعادة الأستاذ الدكتور عثمان بن صالح العامر، أكتب لك هذه الرسالة الشخصية في هذا الشهر المبارك من رحم المعاناة، وأتمنى أن ترى النور عبر زاويتكم (الحبر الأخضر) لأنني أعتقد أنها نافذة رائعة وباب مشرع أمام القارئ لهذه الجريدة المتميزة، ليتابع من خلالها ومثيلاتها من الزوايا المحترمة التي ترتقي بذائقة ومفاهيم الكتابة الصحفية في صحافتنا السعودية، ليتابع وبكل صدق وصراحه حركة الفكر وإيقاع الحرف في وطننا المبارك، وأجزم أن الموضوع الذي أضعه بين يديكم الكريمتين يستحق الطرح وبقوة فهو وإن كان في الأساس موضوع شخصي إلا أنه حسب ظني يهم شريحة عريضة في المجتمع السعودي خاصة ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى ألا وهم شريحة (الغارمين) وأقصد بهم أولئك الذين تراكمت عليهم الديون حتى عجزوا عن تسديدها، فيُعطَوْنَ من الزكاة وإن كانوا قادرين على تأمين نفقاتهم السنوية، كما يقول ذلك علماء الأمة ومفكروها استناداً إلى قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ و اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} والغارم الذي له حقّ في أموال الزكاة هو في نظر المفسرين الذين اطلعت على أقوالهم: من احترق بيته، أو أصابه السيل فذهب متاعه، ومن ركبته الديون في غير فساد ولا تبذير، كما روى ذلك الطبري عن مجاهد في تفسير هذه الآية، وروى عن قتادة رحمه الله قوله: أما الغارمون فقوم غرّقتهم الديون في غير إملاق ولا تبذير ولا فساد. وحدَّ الإمام القرطبي في تفسيره الغارمين بالذين ركبهم الدَين ولا وفاء عندهم به. فإن عجِز عن السداد من دَخله كما لو كان راتبه لا يكفيه ولا يُغنيه واضطر للمَسكن الذي اشتراه، فله عندئذٍ أن يأخذ من مال الزكاة بقدر حاجته، وليحذر من التوسّع في تقدير الضرورة، وكلّ إنسان على نفسه بصيرةٌ. ومن نافلة القول هنا أن هناك شريحة عريضة في المجتمع السعودي - وللأسف الشديد يزداد عددها يوما بعد يوم - تحولت حياتها إلى الجحيم وإن كانت في الأساس ذات دخل ممتاز وذلك بسبب التقلبات الاقتصادية وظروف المعيشة والمجازفات غير المحسوبة، إذ إن منهم من نسفتهم سوق الأسهم خارج التغطية، والبعض الآخر ضحية لمشاريع وشركات واستثمارات وأحلام وهمية أضاعتهم وأكلت أخضرهم ويابسهم.. وهناك المقترضون قرضاً شخصياً (اقساط من أفراد) (دينه) لبناء أو شراء سكن يجمع أبناءهم (من المطلقات والأرامل وغيرهم) هذه الفئات تستهلك دخلها الشهري بالأقساط.لا أطيل عليك أخي الكريم فأنا مثلاً موظفة براتب ممتاز في مجتمعي المحلي وبعد الطلاق وبعد أن خسرت كل شيء في سوق الأسهم وبقدرة قادر أصبحت لدي التزامات تزيد عن مليون ريال ومع أن مرتبي ولله الحمد يزيد عن (15000) وأسدد شهرياً (14800) أقساط للبنك ولصاحب المنزل وأنا وأبنائي عالة على أهلي.. ولكن إلى متى؟. الأبناء يكبرون وتزيد احتياجاتهم، ولا أمل في عمل إضافي. حاولت الاقتراض من البنك مرة أخرى لأسدد ما للأفراد، وأزيد هامش المتبقي ولكن لا أمل، فبعد الأزمة المالية حدت البنوك من الاقتراض بشكل كبير،، مصلحة معاشات التقاعد لم تقبل بتحويل القرض ورهن العقار،، تساءلت كثيراً ولا مجيب، نعم موظفة بمرتبي لا تستحق الصدقة في نظر الشرع وحسب معايير المجتمع، ولكن شرعنا الكريم الصالح لكل زمان ومكان.. جعل الغارمين من أهل الزكاة ويعطون ما يسدد ديونهم وهذه نص فتوى اللجنة الدائمة: (إذا استدان إنسان مبلغاً مضطراً إليه ؛ لبناء بيت لسكناه، أو لشراء ملابس مناسبة، أو لمن تلزمه نفقته؛ كأبيه ولأولاده أو زوجته، أو سيارة يكد (يعمل) عليها لينفق من كسبه منها على نفسه، ومن تلزمه نفقته مثلاً، وليس عنده ما يسدد به الدين: استحق أن يُعطى من مال الزكاة ما يستعين به على قضاء دينه) فهل من حلول لتنظيم الزكاة (والتي تقدر بالملايين وتصرف معظمها بمعرفة أفراد ولا تخلو من العشوائية) أليس من الأجدر جدولة المديونيات خاصة الأرامل والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة، أو إحالة الغارمين إلى بنك التسليف.. رغم أنني أجزم بأن الكثير من الأفراد غارمون ومتعففون) .. انتهت الرسالة ومعها انتهى دوري كراوٍ وناقل للمعاناة والحل المقترح من قبل القارئ الكريم وبقي دور عالم الدراية ليقول كلمته في هذا الموضوع الشائك والمحزن وربما شبه العام في الطبقة الوسطى السعودية وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد