عندما يكون هناك معنى في الحياة فإن الإنسان مستعد للمخاطرة شريطة أن يكون لمخاطرته معنى؛ فتجد الإنسان يخاطر بأمواله لمزيد من الكسب ونستحسن له آلية الحركة في ذلك ونقدر له مبدأ الشجاعة في تحقيق الكسب، وقد درج الناس على ذلك يحذوهم أمل كبير في تحقيق المزيد، وعلى ذلك نقيس مبدأ المخاطرة لمعنى المعنى المنشود، ولكن عندما تكون المخاطرة بحياتك فحتماً ستكون المعادلة مختلفة وسنرى لها في هذا الاتجاه وجهين:
الوجه الأول: مخاطر جاهل ومغر به يلقي بنفسه إلى الهاوية والهلاك دون أدنى شفقة أو رحمة به وبغيره في الحين الذي لا نرى معنى لهذه التضحيات فإذا كانت الوسيلة هي الدمار والخراب والموت فإن الغاية فساد بعينه (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)؛ ومن هنا تتضح الصورة البشعة للوجه الإجرامي تجاه قتل النفس؛ فالقرآن الكريم يضع رؤيته في الوجود كله بين مَن قتلها وأحياها، وهذا جوهر تسامي النفس في الدعوة المستمرة إلى التسامي الدائم حسناً ومعنى. أما الغدر والخيانة والمكر والتنكر فلا نرى فيها إلا سبيلاً إلى غاية مبهمة وإلى طريق عن الحق ناكب.
ولن أسترسل في هذا المسار؛ لأنه بحاجة إلى تنظير ودراسة مستفيضة وجادة من قبل المتخصصين والباحثين في الفكر على اختلاف جوانبه وتوجهاته العقدية والاجتماعية والسلوكية وغيرها، وأحسب أن الجهات ذات العلاقة - وفقها الله - قد شرعت في هذا الاتجاه، وما نرجوه من إعداد تلك الدراسات والبحوث بالضرورة، الوصول إلى تلك العقلية التي تقصي الآخر وترى فيه الكفر وتستبيح دمه؛ ومن هنا يجب علينا جميعاً النهوض بتلك المسؤوليات على كافة الصعد وتعزيز الفكر النير وفق صورة حوارية، تحفزنا إليه آيات الحكمة والموعظة الحسنة ليبصروا فجاج السبل مع الأمنيات والدعوات بالهداية، وكما اختطت وزارة الداخلية طريقاً لذلك رأينا فيه الحكمة والموعظة الحسنة والحوارية اللطيفة وفق برامجها المختلفة؛ مما رجح جهود الوزارة على جهود الجهات الأخرى رغم أهميتها في هذا المجال.. إن علينا لزاماً الوقوف إلى جوار الوزارة ومنسوبيها في وجه هذه الفئة من خلال النصح والإرشاد والتوجيه لذوي الأقارب وإبعادهم عن أي فكر دخيل والإبلاغ عمَّن لا يستجيب وعمَّن يكتنفه هذا الفكر الضال؛ حتى تصل إليهم الوزارة وفق برامجها المتعددة؛ وبالتالي الأخذ على أيديهم وردهم إلى جادة الصواب.
الوجه الثاني: مخاطر لأجل الدين معزز به وداعم لمبادئ الأمة والوطن، وعلى ذلك يتجلى لنا المعنى المتسامي للمخاطرة، ويكون قد أجاد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في خطابه عند لقائه سمو الأمير محمد بن نايف (ما راح منك لخدمة دينك ووطنك: تضحية.. ولكنك خاطرت).. إنها مخاطرة لتضحية عزيزة (الدين والوطن).. نعم إنها التضحية الحقيقية وفق آلية المخاطرة الشجاعة.. كما شافه بها خادم الحرمين الشريفين (ولكنك خاطرت)؛ ومن هنا نرى مضمون المعنى في القول، وهذا القول بآلياته الموظفة في تبليغ ما يعنيه وما يدل عليه من خلال معنى متوغل سام رآه خادم الحرمين الشريفين في ذات الأمير محمد بن نايف في رؤيته للآخر؛ ولذا تكون دلالة المعنى في قول خادم الحرمين الشريفين مختلفة الأبعاد وفق المنظور الفلسفي للمبادئ والمثل العليا كالأخلاق والإخلاص والإنسانية وكذا معاني الرحمة والكرامة وحق الآخر إلى غير ذلك كما في نفسه - حفظه الله -؛ ولذا استحق لقب (ملك الإنسانية).
ولذا يجب تأسيس كل معنى متسام على هذا المعنى الرائع وأن تتشكل كل آليات المثل في نطاقه، أما وجود سمو الأمير محمد في مثل تلك الصورة فهو بالضرورة تسام بالذات وتجاوز لها أكثر من أن يكون تحقيقاً للذات، ومن وجهة النظر الشخصية أراه عمق العمق للمعنى المتسامي حتى غدا رجل بحجم محمد بن نايف يفسح المكان للآخر النكرة داخل حرم بيته بصفاء النفس النقية ومبادرة حسن النوايا وجمال المودة عل ذلك ينعكس على صفحات الأنفس السقيمة، ولكن هيهات وسموه الكريم بهذا الأسلوب يستثير روح المسؤولية في الآخرين بعد أن أحاطت بهم الخطيئة فلا يؤاخذهم بذنب اقترفته أيديهم ويريد شحذ هممهم وتوجيههم تجاه الدين والوطن والخروج من انغلاق الفكر ولوثات وساوس النفس المدمرة الشريرة التي اكتنفتها منهجية الفكر الضال حتى غدت تتخبط (سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى).. إنها عذابات الفكر المنحرف التي شرعت لنفسها الغدر والقتل وهي في إحاطة الثقة والأمان.