لست أوجه هذا المقال إلى الأمير كما هو ظاهر العنوان، بل هو حوار مع بعض زملائنا الكتاب الغيورين على أمن الوطن الذين يدعون بعد كل حادث إرهابي إلى مزيد من القوة والانتقام.
أما الأمير فلا يتوجه إليه كلامي مباشرة ليس لأنه فوق ذلك، فليس في شريعتنا أحد له تلك الصفة والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ولكن لأننا تعلمنا منه عملياً دروس العفو والتسامح فكان يفرح بالتائبين ويستقبل المذنبين ويعفو عن المخطئين ويعينهم ماديا ومعنويا وكان مطبقاً للتوجيه الإلهي للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم (خذ العفو).
كما أننا يجب أن نأخذ بالحزم والقوة في مواضع، وكذلك يجب علينا أن نفتح أبواب العفو والتسامح، ونعلم المذنبين دروساً من التسامح والعفو والحوار لعلهم يرجعون، وليس هناك شيء أشد على قيادات التطرف والإجرام مما تطبقه دولتنا ويجسده عملياً الأمير محمد من الأخذ بهذا المبدأ القرآني العظيم لذا استهدف قبل سواه، إنه مبدأ مؤثر في النفوس السوية مهدئ للفتنة، يعمل عمله بتأثير عجيب غير مشاهد وجاءت هذه العملية البائسة في محاولة لتغيير هذا الاتجاه الذي أثر تأثيراً واضحاً في وأد الفتنة ورد كثير من ضحاياها.
ما أجمل هذا المبدأ القرآني العظيم (خذ العفو) لم يقل أعفو فحسب، بل جعل العفو منهجاً، وهذا ما جسده نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في كل حياته فكسب قلوب الخلق وكانت كلماته في عام الفتح (اذهبوا فأنتم الطلقاء) أعظم من أي انتقام.
هذا العفو أنجح طريقة وئدت بها الفتنة في الجزائر الشقيق حيث لم تنفع الضربات الحديدية على طوال أكثر من عقد من الزمان ضد عناصر تعتقد أنها تبذل أرواحها في سبيل الله وتلطخت بالدماء ولحقت بالجبال وإنما نجحت سياسة العفو وفتح صفحة جديدة للحوار.
إن أعظم الوسائل النافعة المؤثرة في وأد تلك الفتنة نشر العلم الشرعي وبذله وإظهار وسطية الإسلام وكذلك إزالة الشبه، وهذا ما تقوم به لجان المناصحة والتي أثمرت قوافل التائبين وتلك ثمرة عملية للأخذ بمبدأ (خذ العفو) ويجب ألا يثنينا عنها انتكاس بعض هؤلاء بل علينا القيام بالمزيد وأن نفعِّل الأسباب ونزيد الجهد وهذا ما حققه الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه عملياً مع الخوارج فهو لم يعاملهم معاملة المحاربين المفسدين - وإن كانوا أكثر خطورة وفتنة - وإنما تعامل معهم معاملة الخليفة الراشد تعامل الطبيب مع المريض. قال لهم: لكم ثلاثة: ألا نبدأكم بقتال، ولا نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم حقكم في الفيء. ثم أرسل لهم ابن عباس ليتحاور معهم ويناصحهم فعاد منهم عدد كبير أكثر مما بقي. وهنا دور العلم والمناصحة.
إننا نتعامل مع مشكلة معقدة، ليست مجرد إجرام مكشوف وإنما الأمر أعظم من ذلك قيادات إجرامية قليلة وحشد من الشباب المغرر بهم فهي فتنة واستعمال لنصوص الوحي في غير مكانها، وهذا يقودنا إلى أمر في غاية الأهمية في وأد الفتنة وهو ما تقوم به وزارة الداخلية في التعامل مع تلك الفتن، وهو مزيد من الدراسات والبحوث، فالعلم والبحث يوفر علينا الكثير من الجهد في حصر تلك الفتنة ومعرفة أسبابها وطريقة معالجتها، وقد لمسنا في جامعة الملك سعود عند إنشاء كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري اهتمام الأمير نايف بن عبدالعزيز شخصياً لهذا التوجه، وما قام به الكرسي إلا بمبادرة منه وما هو إلا شيء يسير بالنسبة لجهود الوزارة في ميدان الأمن الفكري.
من أهم الوسائل الفعالة في قطع الطريق على قيادات العناصر الإجرامية ومنعهم من استغلال الشباب أو تلقي العائدين استيعاب التائبين وتأهيلهم وتوظيفهم ودمجهم وهذا لا شك معمول به ويجب ألا نعدل عنه.
(*) المشرف على كرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية المعاصرة - جامعة الملك سعود