Al Jazirah NewsPaper Tuesday  08/09/2009 G Issue 13494
الثلاثاء 18 رمضان 1430   العدد  13494
المنشود
أين صخر؟!
رقية سليمان الهويريني

 

يذكر لنا التاريخ من سيرة الصحابية (الخنساء) جانباً من العلاقة الحميمية بين أختٍ وأخيها. تلك العلاقة العاطفية التي لم تكن مشاعرَ يتبادلها الطرفان عبر ابتساماتٍ ومجاملات وحديث عاطفي يتردد في بعض المناسبات، وإنما كانت أحاسيس رقيقة ومشاعر دافئة تترجم إلى أفعال ومواقف مشرقة في حياة الطرفين.

كانت الخنساء ذات شخصية قوية، عاقلة، حسنة التصرف، ذات كبرياء وأنفة. وكان أخوها صخر زعيم قومه، لا بمركزه المالي والاجتماعي وإنما بمواقفه الثابتة التي تظهر خفية دون مداهنة.

وكان صخر مع أخته حنوناً ذا تعاملٍ راقٍ ولسانٍ رطب. برغم أنه رجل جاهلي لم يصقله الإسلام، ولم تهذبه الصلاة، ولم يرقق قلبه القرآن!

وحين لمست الخنساء كرم أخلاقه، وندى سلوكه أصبحت تلجأ إليه؛ لإدراكها أن الأفعال النبيلة هي سيدة الشهامة، والموقف الإيجابي هو زعيم الرجولة، ولم يكن لها قط ناصحاً ومنظراً أو منتقداً، بل كان فاعلاً، والفاعل دائماً مرفوع! وكان صخر بالفعل مرفوعاً ليس في النحو وإنما في التاريخ! فقد سطرت له الخنساء أبياتاً من الشعر ظلت شاهداً على علاقة أخوية قمة في الفخر وذروة في الاعتزاز!

وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهداة بهِ

كأنهُ علمٌ في رأسهِ نارُ

فكان الاحترام المتبادل بين صخرٍ والخنساء هو ما يميز العلاقة الساطعة بينهما، عدا عن التقدير الذي يملأ جوانح الأخوين. وكان هو البادئ بالخير فكان الأجدر بالتوقير والتبجيل. بينما هو ينظر بعين الفخر لأخته ذات الأنفة، العصامية، الحريصة على بقاء التماسك الأسري في بيتها برغم سوء زوجها وقلة تدبيره بإتلافه المال. فمازال صخر الشهم يبادر لمقاسمتها ماله في كل زيارة منها لمنزله حين يلمس قلقها وحيرتها المغلفة بعزة نفسها وقوة شخصيتها دون أن يشعرها بالمنة أو يرغمها على إبداء ضعفها وقلة حيلتها كونها أنثى! ولم ينتقد صبرها على زوجٍ مضياع لماله، بل لم يضق ذرعاً بزياراتها المتكررة له، والتي تعود بعدها وهي الكريمة بأخيها العزيزة بأسرتها.

وكانت الحركة الأدبية آنذاك في ذروة نشاطها، والخنساء في أوج تألقها الشعري، فلم يطلب منها أخوها صخر الكف عن قول الشعر بدعوى أنه يسيء لسمعة المرأة ومكانتها الاجتماعية! بل كان معتزاً بذلك، ولم ينافسها على نظم الأبيات ربما لأنه لا يجيده أو أنه مشغولٌ بتسطير أبيات الرجولة وكتابة سجلات الكرم وتدوين أسفار التاريخ بأفعال نبيلة ومواقف سامية فكان جديرا أن توظف الخنساء معظم شعرها فخرا بأخ يستحقه فعلاً. ولأن الشاعرة الأديبة تحفظ لأخيها صخر جميل رعايته ونبل احتوائه، فقد ترجمت مشاعرها نحوه بأبياتٍ خلدها التاريخ بعد مماته، لدرجة أن كل سيدة تتحسر على حياة ليس فيها أخٌ يحمل سمات (صخر) رمز الشهامة والمروءة، والنخوة والحميّة الحقيقية وليست الشكلية!

فأين صخر الأخ الآن ؟ أين أفعاله المشرقة، ومواقفه البيضاء، حين تأتي له أخته شاكية من جراح، أو باكية من هزيمة، أو حتى متألمة من إحباطٍ عابر؟!

ومَنْ مِن الأخوة مثل صخر لتكون له أختٌ كالخنساء يصفق قلبها كلما رأته، ويشحب وجهها كلما فقدته، وتدمع عيناها عندما تشتاق إليه، وتتفتت كبدها حينما تجرحه الشوكة؟!

rogaia143 @hotmail.Com
ص.ب 260564 الرياض11342





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد