دعك من كل الكلام التقليدي حول الليبرالية، والنسخ أو القص واللزق الذي يقدمه بعض المجتهدين من الموسوعات الغربية المرتبطة بفترة زمنية معينة؛ فالليبرالية التي نتحدث عنها شيء آخر من كل محاولات الإسقاط المضللة التي ترسل لك عبر مواعظ وروايات تخلط وتتناقل دون وعي، هناك أشكال حضارية لليبرالية، ولكل مجتمع وثقافة الحق في تشكيل الليبرالية المناسبة لظرفها ومحيطها.
لست (كافراً) لأنك ليبرالي..
وليس صحيحاً أن الليبرالي ضد الإسلام، أو أي دين؛ فالليبرالية - كما الليبرالي - لا تتصادم مع الأديان، وليس هذا شرطها. أوروبا الليبرالية لا تزال محكومةً سياسياً وثقافياً - إلى حد كبير - بالمسيحية، والمسيحية تشكل ثقلاً سياسياً واقتصادياً قوياً ومترابطاً، لكنها تبقى قارة ليبرالية، وهناك ليبراليون حتى وهم يذهبون إلى الكنيسة!
لكن هذا التضاد المكرس هو بعض من المخالفات التي يرتكبها بعض المجتهدين والمتحمسين عن قصد وترصد؛ من أجل أن يقدموا صورة مشوهة عن من يختلف معهم؛ لتصبح الليبرالية - عن جهل متعمد في مواعظهم - موازياً للكفر والزندقة والإلحاد!
والصحيح أنك قد تكون ليبرالياً مسلماً، لكنك أيضاً متسامح مع نفسك ومع الآخرين، تؤمن بحرية الجميع وبالميزة الأخلاقية التي ورثها الإنسان، صادق وبعيد عن النفاق والكذب، مؤمن بالقانون وحق تطبيقه على الجميع وبقيمة الإنسان الذي كرم في العالمين. وهي فطرة إنسانية أساسية، هناك منا مَن هم ليبراليون بطبيعتهم دون أن يشعروا، وتظهر الليبرالية في سلوكهم المتسامح مع الآخر والصارم في القضايا الإنسانية وفي كل ما له علاقة بالإنسان وقيمته وحقوقه، حيث مرجعية الليبرالية هي في هذا الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإنسان، وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان؛ فالليبرالية تعمل على بناء الإنسان الجيد المتماسك من داخله وخارجه.
الليبرالي إنسان أخلاقي يعتبر الشعور بالمسؤولية نحو الغير من أولى مهامه الأخلاقية، كما يرفض التجاوز على حقوق وملكيات الآخرين، واحترام حقوقهم في الاعتراض والخلاف من دون التسبب في نزاع أو صدام أو عنف.
الليبرالي لا يميل إلى العنف أو فكرة استخدامه تحت أي مبرر، والليبرالية ترفض التطرف وتنبذ العنف بأشكاله، وتقبل الآخرين بأنواعهم وأصنافهم وتصنيفاتهم، هل سبق لك أن سمعت بانتحاري ليبرالي..؟.. ويبقى الليبرالي السعودي وطنياً وخجولاً جداً، ويمشي جنب الحيط، ويفكر بصوت عال، يا ليت يتشكل لدينا تيار ليبرالي ثقافياً، ولو بالحد الأدنى لمعنى ومغزى (تيار)؛ من أجل فكرة التغيير؛ فالتنوع وقبول الآخر هما طريقنا الوحيد للتسامح الذي نبحث عنه..
إلى لقاء..
* * *