محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرَّض لها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية على يد أحد أفراد شرذمة الفكر الضال الذي هلك منتحراً، شكّلت حدثاً مؤسفاً وغريباً، لا يشبه إلا الأعمال الجبانة للضلاليين، هزَّ ضمير الوطنية، وهزَّ مشاعر كل سعودي غيور على وطنه وقيادته ودينه..
بل كل مقيم وزائر ومعتمر وحاج إلى أرض الحرمين الشريفين، أرض الأمن والاستقرار؛ كون الجريمة الشنعاء النكراء استهدفت أحد رموز الإخلاص والوفاء والتضحية والفداء في هذا الوطن الغالي، وأكد هذا المسلك المنافي للإنسانية، المخالف لفطرة البشر (أيا كانوا)، أن الفكر الضال مشبع بفتاوى الموت، وثقافة القتل وروح الإرهاب، وترويع الأبرياء الآمنين، ولا يستطيع أن يعيش بدونها أبدا، مهما أتيحت لأصحابه فرص المناصحة، والاستتابة والندم والرجوع إلى الحق.
والذي لا يختلف فيه اثنان هو أن الأمير محمد بن نايف رجل مخلص صاحب قلب كبير، ومبادئ إنسانية، وقيم وطنية سامقة لا يمكن التقليل منها، كم سعى لمساعدة هؤلاء التائهين، وإقالة عثرتهم، والصفح عن ماضيهم الأسود، وفتح صفحات بيضاء معهم، وأن يضمهم في حضن الوطن الدافئ، لكنهم عجزوا عن التخلي عن ثقافة الدم، وكشفوا عن خواء نفوسهم، وقسوة قلوبهم،وخلوهم من قيم الرحمة ونظرة الأمان والإيمان، وعجزوا عن التخاطب بلغة الكلمة والحرف، وأبوا إلا استخدام لغة الغدر والخيانة والجبن.
لقد حمل الأمير محمد بن نايف معاول حفظ الأمن وأدوات تدمير الإرهاب والقضاء على فلول الفئة الضالة، وحمل معول بناء النفوس، وترميم العقول، وتصحيح مسار المغرر بهم المضللين بفتاوى الانتحار والقتل، وحمل أدوات حماية الوطن، وحمايته ورفعته، وعلمنا كيف تكون المواطنة الحقيقية، وكيف تكون التضحية من أجلها، ودعا إلى ذلك قولا، وحمل لواء التوعية بها كثقافة ومنهج، وآمن بها مبدأ وعقيدة وحياة، ومارسها سلوكا عمليا من خلال منصبه مساعدا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية.
وظل الأمير محمد بن نايف مخلصا لمبادئ الوطنية، وحب الوطن والتضحية من أجله، وظل يعلم الناس كيف يخلصون للوطن، من خلال تعامله مع أبناء الأجهزة الأمنية كافة، ومن خلال أنشطته المتعددة ترجم للناس معاني الوطنية الصادقة، والتضحية الحقيقية، بل أثبت اهتمامه بهذه التضحية من خلال تكريم أسر وأبناء شهداء الواجب الذين ضحوا من أجل الوطن بأرواحهم، وكان في ذلك درس عميق وبيان جلي، وقد كرّس في هذا المضمار ثقافة تشربها المجتمع السعودي حتى وصل به إخلاصه من أجل الوطن إلى درجة التضحية بحياته وتعريضها للخطر في سبيل حب الوطن وحمايته والذود عنه.
كما أن التسامح والتضحية وحب الوطن صفات ومزايا وسلوكيات تجسدت في حياة الأمير محمد بن نايف، فهو دوحة أخلاق، وملاذ الباحثين عن الأمان، والرحمة والعفو، حيث ظل قلبا مفتوحا يفيض بحب الوطن، وحضنا آمنا لمن يريدون تصحيح المسار، وللنادمين على المشاركة في أعمال البغي والعدوان وعقوق الوطن، ولم يكن يوماً يحرص على سلامة نفسه، أو يجنبها مكامن الخطر، بل كان الهدف أسمى من ذلك (في نظره) والمبدأ أكبر وأرفع، والحب فسيحاً يشمل الوطن والمليك والقيادة والمواطن والمقيم.
التاريخ يسجل لسمو الأمير محمد بن نايف إنجازات غير مسبوقة في زلزلة أركان الإرهاب ودك حصونه ومعاقله، والكشف عن خباياه، وتوجيه ضربات استباقية موجعة لكثير من مخططات ونوايا خائني الوطن، وذلك وفق توجيه ولاة الأمر (يحفظهم الله)، وبإشراف من سمو وزير الداخلية رجل الأمن الأول، وكانت مسارات المعالجة متزامنة، ومتوازية، ما بين المواجهة الأمنية الحازمة، والمناصحة وتأهيل المطلوبين أمنياً، بعد تنقية أفكارهم من الآراء المتطرفة، وقد أسهم سموه في مساعدة الكثيرين منهم ماديا، وشارك في مناسباتهم الاجتماعية الخاصة، وسعى إلى دمج من صلح منهم في المجتمع رأفة منه، وتشهد له مواقفه الإنسانية بالتضحيات من أجل تضميد جراح الوطن، وانتشال بعض أبنائه مما يحيق بهم من خطر فكري ثقافي يخالف تعاليم الإسلام، ويجافي أخلاق السعوديين، وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم العالية، وما مواقفه من أسر الموقوفين والعائدين من غوانتانامو ببعيدة عن الأذهان، والكل يدرك كيف كان يتواصل مع أسرهم وذويهم ويطمئنهم ويجري الاتصالات من أجل عودة الموقوفين إلى أهلهم، كل ذلك يؤكد طيب سجيته، وحبه الصادق لكل أبناء الوطن دون استثناء.
فالأمير الفارس محمد بن نايف نهل من معين والده الذي ربى أبناءه على الوطنية الصادقة وحب الوطن، والتضحية من أجل الوطن والمواطن، فظل سموه مخلصا للوطن متواضعا في تعامله، وحريصا على أمن وسلامة المواطنين مضحيا بوقته وراحته وفكره وحياته من أجل حماية الوطن حتى ضحى بنفسه، وهذا السلوك هو الذي يغيظ دعاة الفتنة والإرهاب والفساد؛ لذا حاولوا هذه المرة يائسين استهداف حياته، لكنها عادت عليهم بالخزي والعار والخذلان.
وبذات الروح الصادقة المخلصة، وبذات التضحية المتأصلة في شخصه، كان يهم باستقبال بعض المهنئين ويحرص على قبول النادمين الراجعين إلى الحق، لكن مخالب الغدر الخائنة أبت إلا أن تندس وتحاول النيل من هذا الرجل الوطني الصادق، لكن إرادة الله كانت مع من صدق، فأراد الله أن يحيق المكر السيئ بأهله فانقلب السحر على الساحر وأنجى الله أميرنا الفارس وسلمه وجعل الخزي والعار مصير الخائنين.