الوطن مزيج من تفاعل الفرد مع الفرد، والفرد مع الجماعة، والجماعة مع الجماعة، وأخيراً الجماعة مع البيئة الطبيعية في وعاء عامل الزمن، لتنتج عن تلك التفاعلات الكلية والجزئية وطن ومواطنين بثقافة وحضارة وطنية معينة تتميز بهوية وشخصية وطنية معينة تميزهم عن بقية الشعوب والأمم.
كما وأن المنجزات الإنمائية الوطنية التي تحققت في المملكة العربية السعودية لأكثر من قرن من الزمن منذ عام 1319هـ، الموافق 1901م وهو عام فتح الرياض، وإلى أن أعلن عن قيام المملكة العربية السعودية بمسماها الحديث في عام 1932م، تعكس الشخصية والهوية الوطنية السعودية وقدرتها على العطاء والإنجاز والإبداع والابتكار في جميع مجالات الحياة الإنسانية التي تنمي من مقدرات الوطن وقوته ومنعته.
لذا فإن التنمية الوطنية الصحيحة نتاج للعمل والجهود الوطنية المخلصة التي يجب باستمرار أن تخضع لمتطلبات التنمية الوطنية الشاملة بمختلف مكوناتها ومن ثم لعمليات التقديم الوطنية الشاملة ولآلية متابعة وطنية دقيقة، بل وأيضا ضرورة الحرص على مقارنتها بالتجارب التنموية الأخرى بهدف معرفة الجوانب الإيجابية والسلبية فيها، لذا فإن الحراك الوطني يعد جزءاً من عملية الفعالية الوطنية خصوصاً الحوار الوطني الذي يحرص على تقصي المعلومة الصحيحة والحقيقة من العقول الوطنية المخلصة.
كما ويهتم بمعرفة العوامل أو الأسباب التي أعاقت أو قد تعيق المسيرة الوطنية، أو تلك التي تمثل خطورة ما عليها في الوقت الراهن أو في المستقبل.
الحفاظ على مسيرة الحراك الوطني الفاعل تتطلب التنشئة الوطنية الناجحة والفاعلة للمواطنين منذ نعومة الأظفار وبداية العمر وحتى مرحلة الكهولة. فالتنشئة الاجتماعية هي ضخ جرعات من ثقافة المجتمع وحضارته وأخلاقياته وقيمه وتقاليده في عقول الأفراد كي تنعكس بدورها على سلوكياتهم، وبنفس المنطق فإن التنشئة السياسية الوطنية هي ضخ ثقافة المجتمع ومفاهيمه ومعتقداته السياسية في عقول الأفراد كي تنعكس على سلوكياتهم ومن ثم على الشرعية السياسية للحكم.
لذلك تتأثر عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية (أو التنشئة الوطنية) بشكل مباشر بثقافة المجتمع المدنية التي ينتمي إليها الفرد، وأيضا بالثقافات الأخرى المتفرعة عنها، كثقافة أسرته التي ينتمي إليها التي تحدد اتجاهاته وقيمه وأسلوب حياته وفلسفته في الحياة والتي عن طريقها (أي الأسرة) يكتسب خبراته الاجتماعية الأولى، إلى جانب تأثر الفرد بثقافة الفئة الاجتماعية التي تنتمي إليها أسرته ووضعه أو واقعه الاقتصادي فيها.
كما وتتأثر شخصية الفرد بالنظام التعليمي الوطني المطبق من قبل الدولة سواء في المدارس العامة أو الخاصة، وأيضا بالثقافة السياسية السائدة في المجتمع التي تسهم في إكساب الفرد مفاهيمه ومعتقداته وتوجهاته السياسية الوطنية تجاه المجتمع وأفراده وجماعاته بل وتجاه المجتمعات الأخرى.
إذا تساعد التنشئة الوطنية بالثقافة الوطنية على تحقيق عملية التكيف الاجتماعي والسياسي مع الأحداث أو التطورات التي تطرأ على النظام الاجتماعي سواء من قبل النظام السياسي وتوجهاته السياسية أو من قبل المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تطرأ على المستوى الإقليمي أو على المستوى العالمي الناجمة عن التحديات والمخاطر المختلفة التي واجهها من آن لآخر.
من هنا فإن الحراك الثقافي الوطني بين الدولة والوطن والمواطنين هو حراك وطني متواصل هام ومطلوب في كل وقت، ليس وحسب لتقوية مشاعر الولاء والانتماء لله ثم للمليك والوطن وللمواطنين بعضهم لبعض، وإنما لتقوية روابط ومشاعر ووشائج الأخوة الوطنية بين المواطنين التي تسهم في استقرار الوطن.
لذا عندما نتحدث عن الحوار الوطني وأهميته في تفعيل مشاعر الإنتماء الوطني، فإن ذلك يهدف إلى وضع سياسات عامة تهم الوطن والمواطن بكل ما يتعلق بتنمية الإنسان المواطن والبيئة المحيطة به (أي الوطن) ومده بالخدمات اللازمة لكي ينعم بمعيشة اجتماعية واقتصادية وعلمية كريمة تنعكس مردوداتها النفسية والاجتماعية الإيجابية على حرص المواطن لبذل المزيد من الجهود وتقديم الأفضل من الأفكار والتصورات والمقترحات لخدمة الوطن.
www.almantiq.org