التقرير الذي قدمه مؤخرا الجنرال ماك كرستال، قائد القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان يتضمن باختصار أن الوضع صعب ومع ذلك يمكن تحقيق النصر، المقصود على طالبان ومدها المتزايد في جنوب البلاد وشرقها على وجه الخصوص، التقرير ذو شقين: وصف المشكلة وما تتطلبه من موارد، والتي لربما تكون عظيمة.
فما الذي تتضمنه الإستراتيجية العسكرية القادمة (وغيرها) لخروج أمريكا منتصرة من هناك؟ الآراء حول ذلك متباينة: فهنالك من يرى اتباع الإستراتيجية التي جربت في العراق بقيادة الجنرال باترياس، في عهد بوش، وهناك من يرى التحول من إستراتيجية 2001 م، المنعوتة ب (التدخل المتقطع) إلى هجوم كاسح لمساعدة الحكومة الأفغانية، وإلا سيعود الوضع لطالبان كما كان لهم في التسعينيات. فما (قابلية الفوز) المنصوص عليها في تقرير الجنرال الأمريكي ماك ماستر؟، يبدو أن الإجابة على هذا السؤال فيها من الصعوبة الشيء الكثير. بعضهم ممن يقال عنهم أنهم (من أصحاب الرأي والمشورة)، من الإستراتيجيين والكتاب، يطرحون إستراتيجيات ترتبط بمفاهيم مثل: (التحول من العقاب إلى التدمير،(أي من توجيه الضربات والعمليات العسكرية إلى أولئك الذين يستحقونها، ومن ثم محاولة تجنب ضرب المدنيين إلى التدمير الذي لا يميز بين المذنب والبريء. الغريب في الأمر أن مثل هذه الآراء تلقى بكل بساطة، وكأنهم يديرون معركة غير حقيقية، أو يلعبون إحدى اللعب الإلكترونية!
ثم مسألة مهمة ترتبط بالحجم المطلوب من القوات لتحقيق (الفوز،(يقال: إن ذلك يمكن أن يقدر بـ 1 من المقاتلين إلى 50 من السكان، فلو كان عدد الباشتون يبلغ 16 مليونا فهنالك حاجة إلى 320 ألفا من المقاتلين لمناوأة المضادين، لابد أن يشمل ذلك من الأمريكيين ومن الأفغان، وسيتطلب ذلك زيادة في الموارد وميزانية مهولة لابد من موافقة الكونجرس الأمريكي عليها، وهذا مما يعقد المسألة أكثر. وفي الوقت الحاضر يذكر أنهم في حاجة إلى إرسال 20 ألفا من الجنود كإجراء مضاد للمد الطالباني. التدخل الأمريكي في بداياته من عام 2001م يوصف أنه جهد متقطع، وبعد التقليل من التركيز على العراق، عسكريا على الأقل، بدأ التركيز على الوضع العسكري في أفغانستان. وهناك من العسكريين من يقول: إنه من الصعب إيقاف طالبان بجهد متوسط ودونما إلحاق الضرر بالمدنيين في الأرياف الأفغانية، فهناك خياران أحلاهما مر.
ومرة أخرى ما ذا يعني الفوز بالنسبة لأمريكا، هل وجودها لها علاقة بأمنها الوطني، أو لضرورة التواجد في الجنوب الآسيوي، أو لنشر الحضارة والثقافة الأمريكية؟، أو بمعنى آخر ماذا يريد الأمريكان من الوجود في أفغانستان؟. سؤال بدأ يطرح على كافة المستويات، من المفكر إلى الشخص العادي. هنالك أكثر من 50 في المائة من الأمريكيين لا يرغبون ولا يعتقدون بأهمية استمرار أمريكا في أفغانستان، السبب: لأنهم لا يرون تطورا على الأرض في الوضع الأفغاني أو لتوجهات حزبية، أوباما يرتكز على توجه الديموقراطيين المضاد للحرب، على عكس بوش المؤيد من الجمهوريين. ما الهدف من الوجود الأمريكي إذن؟، هل هو لمطاردة القاعدة أو بناء الدولة في أفغانستان أو ماذا؟ هناك عدم مواءمة بين الأهداف المعلنة وما يطبق على أرض الواقع.
بناء على عدد كبير من رسائل عبر الإنترنت لأحد البرامج الإذاعية الأمريكية ذكر مراسلوها أنهم لا يؤيدون استمرار الوجود الأمريكي في أفغانستان، كما أن الناس لا يدركون استمرار أمريكا فيها، بل إن هنالك مطالبات جادة لتحويل الوضع والبدء بالخروج من أفغانستان. وبالنسبة للرئيس أوباما فلا يشرح الوضع بالنسبة لأفغانستان، وهو مشغول بمشروع قانون الرعاية الطبية في بلده الذي يحاول جاهدا استصداره من الكونجرس.
وماذا عن البيئة السياسية والأمنية والعسكرية في أفغانستان؟ تؤكد التقارير أنه ما يتعلق بالانتخابات الأخيرة هناك تزوير وغش فيها، وهنالك فساد ضمن البوليس الأفغاني الذي يبرر بعدم تسلم أفراده لرواتبهم، أما المجتمع الأفغاني فواقع بين المطرقة والسندان، بين هجمات طالبان وعدم إخلاص المسؤولين عن الأمن بخاصة في جنوب أفغانستان وشرقه. وبشكل عام إنه لمن الصعب بناء أمن وجيش دونما وحدة وطنية، وهذا هو لب المشكلة. وهنا نعود إلى الهدف من تواجد الأمريكان في أفغانستان، فنقول: هل من الأهداف تنظيف الوضع السياسي والأمني على المستويين المحلي والوطني؟ يذكر أن 4 في المائة من الأفغان يؤيدون طالبان، وإن صحت النسبة، فهذا يشجع على التخلص منهم. الإدارة الأمريكية في واشنطن تريد أن يتحول الوضع خلال 12 إلى 18 شهرا، كما لم يطلب الجنرال ماك ماستر زيادة الجنود في أفغانستان، وهذا بناء على رغبة من قبل جيت، وزير الدفاع الأمريكي، ولربما ما تخبئه الأيام أعظم من ذلك. نضرع إلى المولى العزيز أن يحفظ بلاد المسلمين من كل سوء وأن يؤلف بين القلوب وأن يحفظ ولاة أمر هذا البلد وأهله وأن يكفينا كيد الكائدين وشر الحاسدين إنه سميع مجيب وعلى ذلك قدير وبالإجابة جدير.