في كل يوم يتجدد على هذا الكون، تشرق فيه شمس هذه البلاد المباركة على قطر جديد، وعالم ناءٍ. في أسابيع فائتة، حطت وزارة الثقافة والإعلام رحالها في (الأرجنتين والأوروجواي) بمؤازرة من مؤسساتنا التعليمية والثقافية.
* في السنوات العشر الماضية، وبتوجيه كريم من حكومتنا الرشيدة شهدت أكثر من عاصمة عربية وأجنبية فعاليات مختلفة تحت إطار الأسابيع الثقافية التي تبنتها المملكة العربية السعودية بتنسيق تام مع الجهات الثقافية في تلك الأمصار، إيماناً من هذا البلد المعطاء بمسؤولياته العظيمة تجاه التاريخ العربي، والثقافة الإسلامية العريقة بأهدافها، ومقاصدها، وغاياتها.
* من المؤكد أن هذا الدور الكبير يتعاظم في النفوس حين تؤم ثقافتنا بتقاليدها وعاداتها الضاربة بلداناً غربية قصيّة، لا دولة فيها ولا سلطان لمثل تلك الثقافات. هذه الخطوات الرائدة بطبيعة الحال تعد فتحاً جديداً لنا، نقتحم فيها حصوناً قد تمنعت على غيرنا بأعتى الأساليب وأقواها، ومما لا يقبل الجدل أننا في هذا العصر الذي تتصارع فيه الحضارات بأمس الحاجة إلى من يطلع على موروثنا الثقافي، ويحمل رسالته ويتبناها، ولاسيما في زمن تكالبت عليها بعض الظروف، وحاولت فئات تشويهها بكل ما تملكه من وسائل وأساليب، فكان هذا الأسلوب، وهذا النمط السلمي من التواصل محاولة جادة لإعادة مسار حضارتنا إلى واقعها الحقيقي التي عُرف عنها.
* لا يمكن أن نتجاهل أن (المملكة العربية السعودية) بهذا التوجه تستكمل خطى وتجارب خاضها غيرها من أبناء (الجاليات العربية)، تحت ظروف مختلفة. ومن يتتبع حركة التاريخ والهجرات المعاصرة يجد أن هذه الأقطار، وأعني (الأرجنتين والأوروجواي ) قد ارتحل إليها واستوطنها العديد من أفراد الجاليات العربية التي هاجرت في معظمها من بلاد الشام (أوائل القرن العشرين) في رحلة تاريخية اختلفت فيها الأهداف، والأساليب، والرؤى في تسويق الثقافة العربية. وعلى الرغم من قسوة الحياة التي عاشوها، والظروف التي صاحبت إقامتهم هناك، إلا أنهم قادوا حركة ثقافية عالمية من خلال النوادي الأدبية والاجتماعية التي أسسوها هناك، وتحرك الفكر العربي من خلالها، في جو حُر، وبيئة متسامحة، تختلف جذرياً عن بيئاتهم الأولى التي كانت في بعض فتراتها تحت وطأة (الاستعمار الأجنبي)، وعانت من ويلاته الشيء الكثير، فكانت تلك النوادي التي يتطارحون فيها ألواناً من الثقافة مصدر إشعاع للفكر العربي، وليس بخافٍ على المهتمين بهذا الشأن أثر تلك الروابط المغتربة على مسار ثقافتنا العربية والأدبية على وجه الخصوص، وكانت تجاربهم الإبداعية محط إعجاب كثير من النقاد، ومجال خصب للدراسات والبحوث، لأنهم حملوا - إلى جانب ما تلقوه هناك - الذاكرة، والثقافة، واللغة الأصلية.
* لا يغرب عن أذهاننا، ونحن نتابع بعض تلك الفعاليات في (الأرجنتين) أن عدد المهاجرين قدّر بثلاثة ملايين مهاجر على امتداد قرن من الزمن، وطأت لهؤلاء دور كبير وفاعل في بناء المجتمع (الأرجنتيني) وتقوية اقتصاده، وبناء ثقافته، فهؤلاء يحتاجون بين عقد وآخر إلى من يجدد صلتهم بالثقافة الأم التي يخشى على انقراضها عند بعضهم، ولذا كان لمركز (الملك فهد الثقافي)، في (بيونس ايرس) أثر كبير في دعم الجاليات العربية والإسلامية، وربطها بهويتها. إذاً ما زالت المملكة تحمل رسالتها بكل ثقة، وما نشاهده خير دليل. ا - هـ
dr_alawees@hotmail.com