Al Jazirah NewsPaper Monday  07/09/2009 G Issue 13493
الأثنين 17 رمضان 1430   العدد  13493
الرئة الثالثة
نحو (استراتيجية وقائية) لمكافحة الإرهاب!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

 

راعني ما بثته وسائل إعلامنا مؤخراً من اكتشاف خلية إرهابية جديدة قوامها أربعة وأربعون فرداً، كلهم مواطنون سعوديون عدا واحد، كانوا يبيتون نوايا خبيثة مفخخة بأسلحة الدمار التقني وغير التقني سعياً إلى زعزعة أمن هذا البلد الأمين، وهالني أيضاً أن يكون من بين أعضاء هذه الخلية الإرهابية الجديدة أكاديميون ترمز إليهم شهادات عليا، ممن كنا نحسبهم أوفياءً لهذا الوطن.. وما يجسده مكاناً ومكانةً واستحقاقاً، فإذا هم يتنكرون لما اؤتمنوا عليه و(يجيّرون) عقولهم وخبراتهم وضمائرهم لتدمير بلادهم بدلاً من تعميرها!

**

* هالني كل ذلك، وكنت أظن أن ليل الإرهاب في بلادنا الغالية آخذٌ في الانحسار بلا رجعة، وأن أنفاسه الخبيثة قد أخمدها عزم الأبطال وشجاعة الشجعان من رجال أمننا البواسل، في كل موقع من المسؤولية، وفي أكثر من مكان وزمان وحدث!

**

* وبهذه المناسبة، عادت إلى ذهني وقفات ورؤى وتأملات سابقة حول هذا الموضوع عن الإرهاب وكيفية تعاملنا معه، مؤسسات وأفراداً، وطالبت في بعضها أن تكون (الوقاية) من غول الإرهاب (هدفاً استراتيجياً) مهماً، وألا نكتفي بالتصدي المباشر لفاعليه أو المرشحين لفعله كلما حل بنا رزؤه الغاشم!

**

* أعرض فيما بقي من هذا المقال بعض تلك الرؤى (الوقائية) التي تكرّس بدرجة أساسية فكرة الاهتمام بتجفيف (منابع) الإرهاب، تكفيرا أو تنظيرا أو تمويلا أو تحريضا أو (تطويعا) لبعض النصوص، واعتسافها تأويلا ينسجم مع التوجهات الشاذة التي تستوطن بعض العقول المريضة أو المستضعفة أو المختطفة من الناس فأقول:

**

أولاً:

* كنّا إلى عهد قريب نتحدثُ في أدبياتنا ومجالسنا عن (الغزو الفكري) المشبوه القادم إلينا من خارج الحدود.. فإذا بنا (نُفاجأُ) بفكر مشبوه يغزونا من عقر دارنا، ويكون سبباً في قتل الأبرياء وتدمير الممتلكات، وقض مضاجع الآمنين في ديارهم، وتساءلنا يومئذ ومازلنا نتساءل من هول الحدث: هل أضحى الإرهاب (صناعة محلية) فكراً وآليةً وتنفيذاً، بعد أن كنا نحسب أنه (بضاعة مستوردة)؟! وإذا كان الرد بالإيجاب، فإن البلاء مبين، والخطب عظيم!

ثانياً:

* إنّ التعاملَ مع الإرهاب الخبيث الذي هزَّ كل وجدان صادق لابد أن يتخذ مسارين متلازمين، أحدهما علاجي، والآخر وقائي:

أ) فأما المسار العلاجي فيتمثّل في الاستمرار بضرب معاقل السوء وأوكارها بقوة لا تعرف اللين، وإيقاف كل من له ضلع فيما يحدث: فعلاً باليد، أو تحريضاً باللسان، أو إيحاءً بالقلم، أو دعماً بالمال، أو تستراً على فعل الشر أو فاعله، فكل أولئك شركاء في الجرم، شركاء في الإثم، وشركاء في العاقبة والعقاب، ونحن، حكومةً وشعباً، لن نكون ملومين فيما فعلنا أو نفعل في هذا السبيل، ما دام الهدف حماية العقيدة من الابتزاز والتشويه، وصيانة الأمن من الاهتزاز والترويع، وحفظ الوحدة الوطنية من التصدع والتَّلف!

**

ب) أما المسارُ الوقائيّ فهو نبش و(تنقية التربة) التي تُؤوي جذور (الفكر المشبوه) وتجفيف المستنقعات التي تسكنُها طفيلياته، وذلك عبر مراجعة ذاتية جادة وآلية إصلاح شامل تتناول (بنيتنا التحتية) التربوية والاقتصادية والاجتماعية، لأن في ذلك تصحيحاً وتطهيراً لأفئدة فئة من الناس من كل شرائح الأعمار، وحمايتهم من التسكع في دروب البطالة الطوعية والفراغ والإحباط، وإبعادهم عن أوكار التغرير والتدليس والظلام، كي لا تتكرر المأساة.. على نحو ما سمعنا وشاهدنا!

**

ثالثاً:

* ان تفكيك قنبلة الإرهاب وقائياً، عملية فكرية وحضارية وأمنية معقدة جداً، لا يمكن أن تتم بين يوم وليلة، ولا تختص بمواجهتها أجهزة الأمن وحدها، على الرغم من جهودها الباسلة وسهرها المظفر اناء الليل والنهار صيانة لأمن هذه البلاد وأهلها وصداً لكيد الكائدين، غير أننا في الوقت نفسه مطالبون بالمشاركة في التعامل مع هذا البلاء المبين، بدءاً بالمسجد، مروراً بالمدرسة والجامعة ومنابر الإعلام، مسموعاً ومشاهداً ومكتوباً، وانتهاءً بمؤسساتنا الدينية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ثم بنا نحن المواطنين والمقيمين، وهذا في تقديري (فرض عين) لا يجوز تجاهله أو التفريط فيه.

**

وبعد:

* فلنتذكَّر في الختام أن الوقاية من جرثومة الإرهاب تستوي أهمية مع مكافحتها، إن لم تفقها، فالداء أحيانا لا (يموت) بالقضاء على (أعراضه) ولكن (باقتلاع) جذوره.

* حمى الله بلادنا من فلول السوء ووقاها من أدرانها، ما ظهر منها وما بطن!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد