كان العرب في عصورهم الأولى يعتمدون في تاريخهم على الرواة، أمثال حماد الراوية وعبدالملك بن قريب الشهير بالأصمعي وخلف الأحمر، وغيرهم، وكان الأصمعي يذهب إلى البادية، ويحفظ أخبارهم ومروياتهم وأدبهم، ثم يرويها إلى أهل المدن، وكانت روايتهم شفهية، ثم أتت طبقة أخرى من الرواة أصبحت روايتهم مكتوبة وليست شفهية، أمثال: الجاحظ، والمبرد، وابن دريد، وكان تركيزهم في نتاجهم على الأخبار الأدبية والشعر، وحفظوا الكثير من تراث العرب الشعري، ثم أتى أبو الفرج الأصبهاني وألف كتاب الأغاني الذي جمع فيه الكثير من الأخبار والأشعار، ثم أتى التبريزي والعماد الأصفهاني الذي ألف كتاب خريدة القصر ثم أتى علماء متخصصون في التاريخ ورتبوا الأخبار بحسب السنين، ومن أحسن من كتب في ذلك ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية)، وقد طبع في أربعة عشر مجلداً، ابتدأ فيه بتاريخ الدنيا قبل أن يخلق آدم ثم استمر مع آدم ونوح وإبراهيم وجميع الأنبياء - عليهم السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، واستمر ابن كثير في سرد التاريخ إلى عصره، حيث ذكر غزو المغول لبغداد في خلافة المستعصم بالله محمد بن عبدالله العباس، وخيانة وزيره ابن العلقمي، وما جرى في تلك السنة من الأمور المروعة من القتل والنهب، وسفك دم الأبرياء.
وقد كتب في هذه الحادثة من المتأخرين صاحب كتاب الدول والأول، وتحدث عنها - أيضاً - الدكتور محسن العجلي في كتابه تاريخ بغداد حيث اعتمد الوثائق والمصادر في هذا الشأن.
ومن أجود من كتب في التاريخ ابن الأثير الجزري في كتابه الكامل، وفي أخبار المغرب والأندلس كتب ابن خلدون كتابه (ديوان المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر من ذوي السلطان الأكبر).
وكان ابن كثير وغيره من المؤرخين يوردون سند روايتهم، وفي الغالب يعتمدون على ابن هشام الكلبي، إلا أننا بدأنا نلاحظ في العصر العباسي أنه قل اعتماد الناس على الرواية الشفهية وصار الاعتماد على الرواية المكتوبة، سواء في الأخبار أو الشعر أو التاريخ، إلا أنه وجد عند العرب نوع من الرواية كانت موجودة في البلاد العربية إلى عهد قريب وهو ما يسمى بالإخباري أو الحكواتي حيث يجتمع الناس ويأتي الحكواتي، ويقص عليهم سيرة عنترة بن شداد، أو تغريبة بني هلال بأسلوب مشوق، وتجده يشد الناس، ويتفاعلون معه ويتأثرون به تأثراً كاملاً، وقد استمر هذا إلى أن أتت القنوات الفضائية فألغتها تماماً.
أما بالنسبة للرواية الشفهية للتاريخ فإنها مهمة خاصة في تاريخ بلادنا السعودية حيث فات على بعض المؤرخين الكثير من الأخبار. ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أشيد وأشير إلى العمل الجبار الذي تقوم به دارة الملك عبدالعزيز من توثيق لتاريخنا الشفهي في مشروعها الرائد (مسح المصادر التاريخية) الذي جال على جميع مناطق وطننا العزيز المملكة العربية السعودية، وذلك وفق توجيهات كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، وعمل دؤوب من فريق الدارة وعلى رأسهم معالي أمينها العام الدكتور فهد بن عبدالله السماري، وهو بلا شك نقلة كبيرة في تدوين التاريخ الشفهي في وطننا العزيز.