Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/09/2009 G Issue 13492
الأحد 16 رمضان 1430   العدد  13492

صَبِيحُ أُشَيْقِر (1)
خالد محمد إبراهيم النعمان

 

هذه القصيدة نظمتها في عام 1425هـ على اثر قراءة بحثٍ قيّم نُشر في مجلةٍ فصليةٍ محكمةٍ، تعنى بتاريخ المملكة العربية السعودية، والجزيرة العربية، وتراث العرب، ألا وهي مجلة الدرعية الغراء السنة السابعة في العدد السابع والعشرين لشهر رمضان وذي الحجة لعام 1425هـ، والبحث للدكتورة مي بنت عبدالعزيز العيسى، تحدثتْ فيه عن أوقاف أهالي بلدة أشيقر، وسنورد نبذاً من بحثها في هامش هذه القصيدة، فأكبرت في القوم هذه الروح الإسلامية العالية ولاسيما أنَّهم في قرية وليست مدينة وفي عصور قد عزَّ فيها العلم وقَلَّ العلماء، ولم يكن فيها فيض من مال، ولكن برغم ذلك فقد ساد في أهل أشيقر قوةُ الإيمان، والحبُّ، والإحساسُ بالرحمةِ، والتعاطفُ، وتذكّرُ أحوال الغير من أمواتٍ لا أكفان لهم فأمَّنوا لهم الأكفان، وشِيبٍ حبسهم الكِبَرُ فأوصلوا إليهم ما يحتاجونه، ونساءٍ مكنونات كالدّر في البيوت يشتهين الطعام فيستحين فيوصلون إليهن استحقاقاتِهن من المآكل والمشارب، وغير ذلك مما يدل على مشاعر إنسانية فياضة تجاه الفقراء والضعفاء، فتفاعلتْ نفسي مع البحث بعد قراءته بتأنٍّ ورويَّة، فكانت هذه المقطوعة الشعرية المتواضعة تحية إكبار وتقدير لأشيقر وأهله عامة، ولصبيح رحمه الله ومن سار على خطاه.

وظلت القصيدة حبيسة الأدراج لم تنشر شأنها شأن الكثير من قصائدي التي أحس أنّها لم ترق إلى مرتبة التعبير كاملا عما في النفس، وقد تقت إلى مشاهدة بلدة أشيقر ولاسيما آثارها القديمة؛ فلقد حببها إليّ فعلُ أهليها رحمهم الله. وأرجو أن يتحقق ذلك إذا كان في العمر نسيئة إن شاء الله.

ثم بتاريخ الأحد الثاني من شهر الصوم المبارك الحالي قرأت مقالا قيّما مستفيضاً في صحيفة الجزيرة الغراء في صفحة الوراق، هذه الصفحة القريبة إلى نفسي، ويشرف بالإشادة بها يراعي وطرسي. وكم للمشرف على هذه الصفحة عندي من الحب والتقدير لاهتمامه بالتراث، وحرصه الدائم على تقديم ما يتطلع إليه محبوه فبارك الله فيه.

تحدث المقال عن بعض ما تميزت به بلدة أشيقر النجدية من كثرة أوقافها الخيرية النافعة فبثَّ المقالُ عندي العزيمةَ على إخراج القصيدة من أَدراجها وإدراجِها ونشرها إن كانت صالحة للنشر. وهاأنذا أبعثها إلى وراق الجزيرة للاطلاع عليها فإن وجد فيها ما يستحق النشر فله ذلك، وإن لم فلا تثريب عليه. وفي كلتا الحالين له ولصحيفتي الغراء (الجزيرة) الشكر والتقدير، ولأهل أشيقر دوام التوفيق، والدعاء بالرحمة والمغفرة لأصحاب تلك الأوقاف التي هي بلا شك شاهدة على ما انطوت عليه نفوسهم من دين وإخلاص وحب لفعل الخير وإن كان قليلاً، فقليل مستمر خير من كثير منقطع.

وَقَفْتُ عَلَى بَحْثٍ جَمِيلٍ وَمُمْتِعٍ

لِمَي (2) كَدُرِّ فِي الْعُقُودِ يُنَضَّدُ

يَفِيضُ بِذِكْرٍ للأمَاجِدِ قَبْلَنَا

بِألْفٍ مِنَ الأعْوَامِ، أوْ هُوَ أزْيَدُ

أتَتْنَا بِأخْبَارِ الْكِرَامِ وَفِعْلِهِمْ

وَأوْقَافِهِمْ فِيهِمْ، وَمَنْ كَاَن يَزْهَدُ

ِجَالٌ هُمُ الأفْذَاذُ مِنْ عُمْقِ أرْضِهِمْ

وَفِي كُلِّ أرْضٍ في الجزيرة مَحْتِدُ

أُشَيْقِرُ لَنْ يَنْسَى صَبِيحًا وَمَعْشَرًا

كِرَامًا، وَرَمْزًا لِلْوَفَا يَتَجَدَّدُ

لَقَدْ أوْقَفُوا حِيَطَانَهُمْ وَنَخِيلَهُمْ

وَكَذَاكَ كُتْبًا إذْ تُرَامُ وَتُقْصَدُ

وَآبَارَ مَاءٍ بِالدِّلا وَحِبَالِهَا

وَشِرَاءَ أكْفَانٍ لِمَنْ بَاتَ يَفْقِدُ(2)

وَيُمْنَحُ شِيبٌ في الْبُيُوتِ مَقَارُّهُمْ

وَكَذَا نِسَاءٌ أوْ مَرِيضٌ وَ مُقْعَدُ

وَكَذَاكَ بَادٍ، أوْ نَزِيلُ حَضَارَةٍ

وَلا يُمْنَعُ المعْرُوفَ مَنْ رَاحَ يَشْهَدُ

فَلا يُحْرَمَنْ مَنْ بَاتَ لِلْحَالِ شَاهِدًا

وَإنْ كَانَ ذَا يُسْرٍ وَمَالٍ يُعَدَّدُ

عَرَفْتُ صَفَاءً فِي النُّفُوسِ وَطُهْرِهَا

وَمَنْ رَامَ خَيْرًا لِلْوَرَى فَهْوَ أمْجَدُ

فَبِالْعِلْمِ، والإيِمَانِ نَالُوا مَنَازِلاً

وَصِدقَ وَفَاءٍ مِنْهُمُ لَيْسَ يَنْفَدُ

فَمَا مَنْهَجُ الأوْقَافِ إلاَّ مَحَامِدٌ

وَفَضْلٌ جَمِيلٌ في الْبَرِيَّةِ يُحْمَدُ

وَمَا قِيمَةُ الأمْوَالِ إمَّا تَكَدَّسَتْ

وَلَمْ يُعْطَ حَقٌّ لِلْفَقِيرِ مُؤَكَّدُ

وَمَا زِيدَ فِي الإنْفَاقِ إلاَّ تَكَاثُرٌ

وَرَبِّى عَلَى ذَاكَ التَّكَاُثِر يَشْهَدُ

وَلا خَيْرَ فِي مَالٍ يُسِيء لِرَبِّهِ

وَرُبَّتَ أمْوَالٍ إلى الشَّرِ تَرْفِدُ

وَلا شك إنْ طَالَ الزَّمَانُ وَإنْ دَنَا

سَتَذْهَبُ يَوْمًا دُونَ رَيْبٍ تَبَدَّدُ

أَرَى كُلَّ ذَا مَالٍ يَعُودُ بِحَسْرَة ٍ

إذّا لَمْ يُعْطَ مِنْهُ الْحَقُّ وَهُوُ مُحَدَّدُ

وَمَنْ كَانَ ذَا يُسْرٍ فَجَادَ بِبَعْضِهِ

يَكُونُ رَفِيقاً لِلْكِرَامِ، وَيَرْشُدُ

أجُورُهُمُ تَنْمُو، وَتَنْمُو تَصَاعُدًا

وَوَاحِدُهُمْ تَحْتَ الثَّرَى يَتَوَسَّدُ

أرَيْتَ أُجُورًا كَيْفَ تَنْمُو لِهُلَّكٍ

وَفَوْقَ الْفَتَى مِنْهُمْ تَرابٌ وَجَلْمَدُ

وَمَا ذَاكَ إلاَّ الْفَضْلُ يُعْطَى لِمُخْلِصٍ

فَأَوَّلُ شَيءِ صَحَّ مِنْهُ التَّعَبُّدُ

فَمَنْ يَعْرِفِ الْمَوْلَى بِحَالِ رَخَائِهِ

سَيَعْرِفُهُ وَالْحَالُ فِيهِ التَّشَدُّدُ(3)

فَطُوبَى لِمَنْ أفْضَى لِرَبِّي بِصَالِحٍ

سَلَيْقَى ثَوَابًا في الْجِنَانِ وَيَسْعَدُ

وَمَا مُدَّةُ الأعْمَالِ إلاَّ قَصِيرَةٌ

فَإنْ وُفِّقَتْ كَانَتْ دُهُورًا تُؤَبَّدُ

وَلَنْ يُهْمِلَ الْمَوْلَى الْجَلِيلُ أمَاجِدًا

وَإنْ أتْهَمُوا بَيْنَ الأنَامِ وَأنْجَدُوا

أُشَيْقِرُ هَذَا الشِّعْرُ مِنِّى تَحِيَّةً

فَفِيكَ وَأهْلِِيكَ الأفَاضِلِ يُنْشَدُ

وَإنْ كُنْتُ مِنْ أقْصَى الْمَدِائِنِ طَيْبَةٍ

فَفَي أهْلِهَا حُبٌّ وَفِيهِمْ تَوَدُّدُ

فَمِنْ عَهْدِ خَيْرِ الْخَلْقِ تِلْكُمْ طِبَاعُهُمْ

(يُحِبُّونَ) (4) قَدْجَاءَ القُرَانُ يُعَدِّدُ

(1) جاء في البحث، من الوصايا والأوقاف في أُشيقر قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وصية صبيح عتيق عقبة سنة 747 هجرية 1346 ميلادي التي أوقف فيها حيطانه في عكل بعد أن رسم حدود الوقف من جهاته الأربع وجعله شاملا للأرض والنخل والماء والنماء وكل ما يدخل فيه أو يخرج منه وقد جعله وقفا وحبسا مؤبدا على من خصصه لهم وفق التقسيم الذي وضعه، وطلب تجديد نسخة الوقف يتوارثها الخلف بعد السلف.

(أولا) تحديد الولي والمشرف على الوقف واختيار إمام الجامع للقيام بهذه المهمة وخصص له أجرة على ذلك وإن احتاج الإمام إلى من يساعده فيستعين بالمصلح من آل عقبة.

(ثانيا) تحديد مهام الولي على الوقف وهي:

أ- البدء بعمارة الوقف وصيانته.

ب- توزيع باقي غلة الوقف على النحو التالي:

وضع دلو وحبلها على بئر العصامية وإن تعطلت البئر نقل الدلو والحبال إلى بئر أخرى لاستمرار منفعة المسلمين.

تخصيص ستين صاعا يشترى بقيمتها أكفان لمن يموت ولم يخلف ما يكفن به وجعلها شاملة لأهل أشيقر - التي اسماها عكل - ولأهل شقراء ولأهل الفرعة ما بقي يقدم طعاما ليالي الخميس والجمعة والاثنين من كل أسبوع في المسجد للصائمين في رمضان ويأكل منها الفقير والغني والحضري والبدوي، واستثنى ثلاثين صاعاً توزَّع على الأرامل في بيوتِهن.

(ثالثاً) منح الولي حرية التصرف على ما يراه في توزيع الطعام في أوقات الشدة في أن يخرجه في غير رمضان.

(رابعا) الترخيص لمن حضر وقت الحصاد أن يأكل من ثمرة الوقف.

(خامسا) التشديد على عدم التعرض لما أمضاه من وقف بمنع أو نقص أو تغيير أو تبديل لا بفعل أو إعانة على فعل بمشورة أو قول والدعاء على من تسول له نفسه بالقيام بذلك بغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة مع وصف لويلات ومشاهد يوم القيامة، وتعلق الكاتبة قائلة، ونظرًا لاستيفاء وصية صبيح لجميع مقومات نصوص الوقف فقد غدت نموذجاً لما كتب بعدها من نصوص وقفية بعضها يشير بصراحة إلى أن وقفه على صفة وقف صبيح، وتضيف أن من أهم عوامل حفظ وثيقة صبيح هذه بالرغم من قدمها هو ما تضمنته من وقف عام فقد حرص أئمة الجامع على صيانتها وإعادة كتابتها كلما قدمت نسختها. وقد وردت إشارة إلى أن صبيحا المذكور ليس له ورثة.

وتضيف الباحثة في الخاتمة إلى أنه يتضح من خلال الوثائق التي ذكرتها وهي كثر تديّن أهل اشيقر وحرص المقتدرين منهم على كتابة وصاياهم. ووجود وعي علمي في اشيقر منذ القرن الثامن الهجري. حرص علماء اشيقر على إعادة نسخ وثائق الأوقاف العامة استجابة لطلب أصحاب الوقف لتوافق مصارف الوقف مع احتياجات المجتمع آنذاك مثل توفير الطعام للمحتاجين خاصة في شهر رمضان مع تحرى الأيام الفضيلة مثل الاثنين والخميس والجمعة وتخصيص حصة من الغلة للأرامل والنساء عامة ممن يستحين ويشتهين كما أشارت بعض الأوقاف والمسنين من الرجال ممن لا يستطيعون الوصول إلى المسجد إلخ، وقد ذكر البحث عدداً غير قليل من الرجال والنساء ممن اقتفوا أثر صبيح في وقف حيطانهم ونخليهم وآبارهم كما أن هناك من أوقف كتبا خاصة له يستفيد منها طلبة العلم.

جاء في هامش البحث المشار إليه نقلاً عن المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية لحمد الجاسر وعن صحيح الأخبار لابن بليهد (أشيقر بضم الهمزة تصغير من بلدان الوشم بمنطقة شقراء في إمارة منطقة الرياض) و(هي مدينة عامرة تقع شمالي الوشم).

وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي - أشيقر بالضم ثم الفتح وياء ساكنة وكسر القاف وراءٍ واد بالحجاز، قال الحفصي جبل باليمامة وقرية لبني عكل، قال مضرس بن ربعي:

تَحَمَّلَ من وادي اشيقر حاضرُه

وألوَى بريعان الْخيام أعاصرُه

ولم يبق بالوادي لأسْماءَ منزل

وحوراءَ الا مزمن العهد داثرُه

ولم ينقص الوسميُّ حتى تنكرت

معالمه واعتم بالنبت حاجرُه

فلا تهلكنَّ النفسَ لوْمًا، وحسرة

على الشيء سدَّاه لغيرك قادرُه

(2) لم يترك ما يُشترى به كفن.

(3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) البيهقي 3-135 .

(4) إشارة إلى قوله تعالى في أهل المدينة {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}آية (9) سورة الحشر.

- المدينة المنورة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد