Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/09/2009 G Issue 13492
الأحد 16 رمضان 1430   العدد  13492
من أعمال صاحب الجلالة المؤسس في رمضان

 

لا شك أن الحديث عن المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حديث ممتع وشيق وماتع، كيف لا والحديث عن زعيم عربي مسلم أصيل، تربى في بيئة إسلامية سمحة، تُعظم شعائر الله وتُقدس أوامره وتستجيب لنواهيه، يحمل بين حناياه قلباً عقيدته صافية كالماء الزلال، لا يشوبها شائبة، على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، متبعاً ما جاء عن السلف فيها، مقتفياً أثرهم، ويسير على دروبهم بفضل الله وكرمه.

وهذا الإيمان الراسخ والمنهجية المعتدلة التي انتهجها الملك عبدالعزيز جعلت منه إماماً للأمة وملكاً على البلاد بعد أن منّ الله عليه بالنصر والسؤدد على من يتخبط في دينه ودنياه، ويسفك الدماء ويسرق المسافر والحاج.

هذا الإمام -رحمه الله- على جلالة قدره وقوة شخصيته ومهابة طلعته، إلا أنه يحمل قلباً رقيقاً، عطوفاً على شعبه وعلى من يقيم على تراب أرضه، خصوصاً الفقراء والمساكين والمعوزين، والذين لا يجدون قوت يومهم.

فتراه يرسل الرسائل والبرقيات لأمراء المناطق وشيوخ القبائل، أو يرسل الرجال، ليعلم من خلالهم عن حال الرعية ويستطلع حاجاتهم، ويقف على حقيقة واقعهم، ليشعروا باهتمام القيادة عامة وجلالة الملك بشكل خاص فيما يواجهونه من مصاعب الحياة ومعوقات العيش الرغيد.

فهذا خطاب من أمير ضباء إلى أمير المويلح بتاريخ 27 - 12 - 1356هـ يتضمن تأكيداً لما أسلفنا القول عنه من اهتمام الملك عبدالعزيز برعيته، فقد جاء في هذا الخطاب: (حسب أمر جلالة مولاي الملك بكل سرعة أفيدونا عن حال فقراء بلدتكم، المستدعية لجلالته بتخصيص شيء يقتاتون منه وعما إذا كانت بأيديهم أسباب يستعيشون منها كالاحتطاب أو السقاية أو ما شابه ذلك، مع ملاحظة أن تكون إفادتكم واضحة وسريعة، والإسراع في رفع الإفادة لرفع الموضوع إلى محل الإيجاب) أ.هـ. (أرشيف مكتبة الملك فهد الوطنية - وثائق أمير المويلح - من أمير ضباء إلى أمير المويلح 27 - 12 - 1356هـ)، وحين يصل الجواب من الأمراء وشيوخ القبائل أو ممن بعث من رجاله يقوم -رحمه الله- بإرسال المعونات العينية والمادية ليتم توزيعها بالعدل بين الناس، ولا يقف اهتمامه عند حصر الفقراء والمحتاجين ومن لا عمل له يكسب من وراءه لقمة عيشه، أو يقف عند إرسال المواد الغذائية والملابس والمال وحسب، بل لا يقر له حال ولا بال حتى يتأكد من استلام كل معوز ما خصص له من معونة، وتعال - أيها القارئ العزيز - لتتأمل الخطاب الملكي الذي أرسله -طيب الله ثراه- لرئيس أوقاف المدينة المنورة وأمين الحرم مرفقاً مع المعونات والمساعدات: (إننا بالنظر لما سمعناه وعرفناه من أن أهل هذه البلدة الطاهرة والمجاورين وسكانها في ضائقة وحاجة فرأيت تهويناً لذلك أن أساعدهم بما يُستطاع.. فقد أمرنا لهذه البلدة بألف كيس رز وقيمة ألف جنيه توزع على عموم الأهالي والسكان ما عدا التجار، فإننا رأينا أولاً أن يُعطى للوجوه وأرباب العائلات كيس رز وما يلزم من الدراهم، وقسم من الرز على حسب استحقاق الآخرين بالكيلة، ويعطى من الدراهم، ومقدار أربعة آلاف مجيدي تعطى للفقراء والسائلة والعوام الذين يسألون بالأسواق من الرجال والنساء على ريالين مجيدي وثلاثة، وعلى هذه الصورة يجري أمر التوزيع وبحسب معرفتكم واستطاعتكم ولاحظوا الذين قال الله تعالى في حقهم: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ).. والسلام. أهـ.

إنه الاهتمام بمن ولاه الله أمرهم، وحمّله أمانتهم، بل إن الخوف من الجليل (عز وجل) والتقوى التي في قلبه جعلته يلفت النظر لمن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف فهم لا يأتون يطلبون المساعدة ولا المعونة بل لا يسألون ولا يطلبون وهم في الحقيقة جوعى وكسوتهم ناقصة.

وكانت تلك المعونات والمساعدات تصل تباعاً للناس على مدار العام، وفي شهر رمضان المبارك ترتفع درجة الاهتمام عنده -رحمه الله- وتختلف الكميات كماً ونوعاً.

وفي جانب آخر من أعمال الملك المؤسس في رمضان إطلاق سراح السجناء، وإتمام فرحتهم بشهر رمضان شهر الرحمة والغفران وبفرحتهم بعيد الفطر المبارك، وذلك بالأمر على أمراء المناطق بتفقد السجون وإطلاق سراح المساجين الذين سجنهم يختص بحق الحكومة عليهم، ومن أمثلة ذلك البرقية العاجلة التي أرسلها إلى أمراء المناطق بتاريخ 25 - 9 - 1368هـ (حالاً شوفوا المساجين الذين عندكم واطلعوا على جرائمهم فمن كان منهم باقي عليه شيء للحكومة فقط فاطلقوه من السجن لأننا عفينا عن حق الحكومة، وإن كان أحد منهم عليه حقوق للناس أو يجوز إطلاق سراحه بأمر شرع فأخبرونا به وبجرمه ويجيكم منا جواب عنه) أ.هـ، (أرشيف الوثائق الوطنية - دارة الملك عبدالعزيز - الوثيقة رقم 690 من الملك عبدالعزيز إلى عبدالله بن مساعد ومالية بريدة وابن عمار في قبة في 25 - 9 - 1368هـ)، وهنا لفتة من الملك المؤسس - طيب الله ثراه - في ثنايا برقيته وهي أنه بالإضافة لعفوه عن حق الحكومة، فإنه وجه بإرسال وصف دقيق لجرم كل من عليه حق على الناس أو ارتكب محظوراً شرعياً لينظر - وهو ولي أمر المسلمين - في قضاياهم حسب ما شرع الله سبحانه وتعالى وحسب ما جاء عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

ويظهر ما يكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في قلبه من إيمان ومراقبة لله سبحانه وتعالى، وهو يستشعر مزية الشهر المبارك وفضل الأعمال الصالحة فيه والمضاعفة للأجور في رمضان على الأعمال والأقوال الصالحة وهمه التعرض للنفحات الإيمانية فيه، حين يقول في ذات البرقية (ونفذوا ذلك الليلة هذه بدون تأخير وهذا أمر من ذمتي في ذمتكم وأنتم في حرج أن تنفذوه بدقة) أ.هـ، فجعل ذمته بريئة وأمر أمراءه بتقوى الله عز وجل وأن يضع كل من ولي أمر من أمور المسلمين الخوف من الله نصب عينيه وأن يكون حاملاً للأمانة على الوجه الذي يرضي الرب عز وجل.

هذه بعض أعمال مؤسس هذه البلاد في رمضان تمثلت في عون فقراء المسلمين والسهر على حاجاتهم وتفقد أحوالهم والأمر على الأمراء وشيوخ القبائل بالمشي لتذليل صعاب الحياة التي يواجهها كل مسلم يعيش على أرض وطننا الطاهر، وكذلك إطلاق سراح المساجين والاهتمام بأمرهم.

ولو أننا تابعنا كل الأعمال التي كان جلالته يعطيها اهتمامه ويضعها على قمة هرم أولوياته لطال بنا المقام، ولكنها أمثلة، تبين حرص ولاة الأمر على رعيتهم، وتبين أنه -رحمه الله- ربى عليها بنيه من بعده، فتوارثها الأبناء وتبنوها بكل فخر، ولا نزال نرى مشاعل أعمالهم تضيء دروب الأمة في الداخل والخارج حتى أطلق على ولي أمرنا ملك الإنسانية وعلى بلادنا مملكة الإنسانية.

سعد بن دخيل بن سعد الدخيل - ثرمداء
SDOKHAIL@GMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد