Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/09/2009 G Issue 13492
الأحد 16 رمضان 1430   العدد  13492
شيء من
الإرهاب ومسرح اللامعقول!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

تفاصيل عملية الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها سمو الأمير محمد بن نايف لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الفنتازيا الإرهابية. الحادثة أشبه ما تكون بقصة فلم سينمائي أراد مخرجه أن يُحاكي به مسرح اللامعقول. توظيف (الشرج) كوسيلة في العمليات الإجرامية من مخترعات الأفغان مُهربي المخدرات. والإرهابيون والأفغانيون تجار المخدرات على علاقة وطيدة وحميمية كما هو معروف؛ فهناك على ما يبدو تبادل (خبرات) بينهم، وبالذات في التغرير بالبسطاء، و(التحايل) لتنفيذ الجرائم.. حيلة (الحَشوة الشرجية) انتقلت من الأفغانيين مهربي المخدرات إلى (زملائهم) الإرهابيين، ليصبح (شرج) الإرهابي بمثابة الحزام الناسف هذه المرة. الفرق بين مهربي المخدرات والإرهابيين - فقط - في (ثمن) تنفيذ العملية. تجار المخدرات (يُعجلون) بدفع الثمن في الدنيا، أما الإرهابيون (فيحيلون) المُنفذ إلى ما بعد الموت.

والفنتازيا الإرهابية لم تكن قصراً على أعضاء القاعدة، وإنما عرفها تاريخ االملل والنحل في الإسلام. فرقة (الحشاشين)، أو الإسماعيلية النزارية، هي إحدى الفرق المتفرعة من الطائفة الاسماعلية الشيعية؛ لا تختلف كثيراً في أسلوب الاغتيالات، والتعامل مع المناوئين، عن (القاعدة)؛ وبالذات في التغرير بالأتباع لتنفيذ العمليات (الانتحارية)، تماماً كما يفعل القاعديون. هذه التسمية - حشاشون - شائعة في أدبيات الغرب. وقد أطلق ابن خلكان على هذه الفرقة اسم (الفدواية).

أول من أسس هذه الفرقة رجلٌ اسمه: (الحسن بن الصبّاح الحِميري)، ويُسمى أيضا في بعض الأدبيات (شيخ الجبل)؛ عاش في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس الهجري؛ كان - كما تذكر بعض الروايات- يُشجع الشباب الصغار على إدمان الحشيشة، وفي ذات الوقت يغسل أذهانهم عقدياً ليتم توظيفهم، واستغلال إيمانهم الراسخ في تنفيذ الاغتيالات السياسية.. ابن الصباح هذا اتخذ قلعة (الموت) جنوب بحر قزوين في بلاد فارس عاصمة لدعوته. حيث يجري اختيار مجموعة من الشباب صغار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 18 سنة ليتدربوا على أنواع القتال وأساليب التخفي والتمويه وطرق الاغتيال، ثم يتم شحنهم عقدياً بمذهب ابن الصباح، حتى يصلوا إلى الطاعة (العمياء) لقائدهم التي لا يشوبها التردد. بعد ذلك يقوم (شيخ الجبل) بإرسال الشباب لكي يغتال من يأمرهم باغتياله من أعداء الحركة السياسيين، وهم على يقين أنهم إذا نفذوا الاغتيال، وقُتلوا، سيكون مآلهم الجنة لا محالة. ورغم أن الأسطورة والخيال قد اختلطت بكثير مما كتب عن هذه الفرقة، خاصة في الأدب الغربي، إلا أن الروايات، بما فيها الروايات العربية تكاد تتفق على أنهم كانوا أول فرقة تنتمي إلى الإسلام، وتمارس ما يمكن أن نسميه اليوم (العمليات الانتحارية) في اغتيال الخصوم. فقد ذكر ابن الجوزي - مثلاً - في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) أن ملك شاه السلجوقي أرسل إلى أميرهم رسولاً، وبينما كان الرسول عنده التفت إلى هؤلاء الشباب (الفداوية) - كما يصفهم ابن خلكان - وقال لهم أمام الرسول: (أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة فمن ينهض لها؟.. فاشرأبّ كل واحد منهم لذلك, وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم, فأومأ إلى شاب منهم, فقال له: اقتل نفسك، فجذب سكينة وضرب بها غَلصَمَتَهُ - (الموضع الناتئ في الحلق) - فخرَّ ميتاً, وقال للآخر: ارم نفسك من القلعة, فألقى نفسه فتمزق؛ ثم التفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا حد طاعتهم لي, وهذا هو الجواب). ويروى أنهم قتلوا عدداً من الشخصيات النافذة آنذاك غيلة؛ وقد حاولوا عدة مرات اغتيال صلاح الدين الأيوبي وفشلت محاولاتهم.

الحسن بن الصباح أو (شيخ الجبل) وأسامة بن لادن أو (شيخ تورا بورا) ينهلان من ذات المنهل ويتفقان في الغاية، وإن اختلفت المفاهيم العَقدية بين هؤلاء وأولئك بما يتناسب مع ضرورات اختلاف الزمان والمكان، وذراً للرماد في عيون البسطاء.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد