Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/09/2009 G Issue 13492
الأحد 16 رمضان 1430   العدد  13492

حفظ الله الأمير الصالح
د. أحمد بن صالح بن إبراهيم الطويان

 

آلمنا وآلم كل مسلم ما حدث في اليوم السادس من رمضان من عام 1430هـ من محاولة بائسة يائسة غادرة خائنة حاولت كسر سيف الأمن في بلادنا الحبيبة بالاعتداء الآثم على سمو الأمير الصالح المبارك مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية سلمه الله وحفظه ورعاه وأمده بعونه وتوفيقه، لكنها كرامة الله لهذا الرجل الذي نحسبه والله حسيبه من الذين يسعون لنشر الأمن وحفظ المجتمع...

... فله منا الدعاء بالحفظ والسلامة، والثبات.

وإن المكالمة التي جرت بين سموه والهالك لتدل على ما يتصف به سموه من نبل الأخلاق وما يتصف به الهالك من لؤم الطباع وخبث الفعال، لقد امتاز الأمير الموفق بالشفافية والوضوح، وبيان الأمور، حتى لا يدعي أحد أنه أخذ عن غرة، وامتاز بالشفقة والرحمة بالمرأة وأولادها وكررها مراراً بأهمية موضوعها عنده، ورحمته وشفقته، بأم الهالك وأسرته، وحرصه على عدم انشغال قلب الأم بولدها الثاني، وامتاز باللين والرفق والترحيب والتسامح والتواضع والحرص على توبتهم وهدايتهم، وألا يستغلهم الأشرار، كل ذلك والأمير مظهر حسن النية، وحب الخير للآخرين، لقد أظهرت تلك المكالمة للملأ ما يتمتع به سموه من الاتزان والحكمة والرحمة والشفافية، وأظهرت تلك الحادثة، مكانة الأمير، وحفظ الله له في حادثة لم تسبق في التاريخ حدوثها ولكنها عناية المولى، وأظهرت تلك الحادثة ما يصل إليه ضلال الفكر وانحراف المنهج، وإنك لتعجب من ذلك أشد العجب إحسان يقابل بالإساءة وجميل يقابل بالنكران، ولكن ما حادثة مقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن هذه الحادثة ببعيد فبينهما تشابه عجيب لمن تأمله فقد روت كتب التاريخ هذه الحادثة، وما كان عليه عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي من إظهار الصلاح، فمن ترجمته أنه عبدالرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قرأ القرآن على معاذ بن جبل وكان من العباد، وقيل ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص أن قرب إلي دار عبدالرحمن بن ملجم ليُعلم الناس القرآن والفقه فوسع له مكان داره، ثم كان من شيعة علي بن أبي طالب بالكوفة وشهد معه صفين، ثم فعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة وكذلك النصيرية يعظمونه، وكان في جبهته أثر السجود.

وكان سبب قتل علي رضي الله عنه أن عبدالرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبدالله التميمي، وهما من الخوارج اجتمعا فتذاكرا أمر الناس وعابا عمل ولاتهم ثم ذكرا أهل النهر فترحما عليهم، وقالا: ما نصنع بالبقاء بعدهما؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد!.

انظر أئمة الضلالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علياً، وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبدالله: أنا أكفيكم معاوية. وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا ألا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم فسموها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان، وقصد كل رجل منهم الجهة التي يريد، ودخل عبدالرحمن الكوفة واشترى لذلك سيفاً وسقاه السم فيما زعموا حتى لفظه، فقيل ذلك لعلي فأحضره وقال له: لِم تسقي سيفك السم؟ قال: لعدوي وعدوك، فخلى عنه، وكان في خلال ذلك يأتي علياً فيسأله ويستحمله فيحمله.

وكان علي رضي الله عنه يقول إذا رآه:

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مراد

ولقي عبدالرحمن أصحابه بالكوفة وكتمهم أمره، ورأى يوماً أصحاباً له، وكان علي قد قتل منهم يوم النهر عدة، فتذاكروا قتلى النهر، ولقي معهم امرأة اسمها قطام، وقد قُتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فخطبها. فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي. فقال: وما تريدين؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً وقتل علي. فقال: أما قتل علي فما أراك ذكرتِه وأنت تريدينني. قالت: بلى، التمس غرته فإن أصبته شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. قال: والله ما جاء بي إلا قتل علي، فلك ما سألت. قالت: سأطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك. وبعثت إلى رجل من قومها اسمه وردان وكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وماذا؟ قال: قتل علي. قال شبيب: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إدّا! كيف تقدر على قتله؟ قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. قال: ويحك! لو كان غير علي كان أهون، قد عرفت سابقته وفضله وبلاءه في الإسلام، وما أجدني أنشرح لقتله. قال: أما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال: بلى. قال: فنقتله بمن قتل من أصحابنا. فأجابه.

فلما كان ليلة الجمعة، وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو، أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة، فلما خرج علي نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة. فضربه شبيب بالسيف فوق سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! وعرب وردان، وهرب شبيب في الغلس، وصاح الناس، ولما ضرب ابن ملجم علياً قال: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليه فأخذوه، وتأخر علي وقدم جعدة بن هبيرة، وهو ابن أخته أم هانئ، يصلي بالناس الغداة، وقال علي: أحضروا الرجل عندي. فأدخل عليه. فقال: أي عدو الله! ألم أحسن إليك؟ قال: بلى. قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شر خلقه. فقال علي: لا أراك مقتولاً به ولا أراك إلا من شر خلق الله. ثم قال: النفس بالنفس، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبدالمطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قد قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن إلا قاتلي، انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربةً بضربة ولا تمثلن بالرجل، ثم كتب وصيته ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله، حتى مات، رضي الله عنه وأرضاه.

فلما قبض بعث الحسن إلى ابن ملجم فأحضره، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله قد أعطيت الله عهداً ألا أعاهد عهداً إلا وفيت به، وإني عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه فلك الله علي إن لم أقتله أو قتلته ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك، فقال له الحسن: لا والله حتى تعاين النار، ثم قدمه فقتله، وأخذه الناس فأدرجوه في بواري وأحرقوه بالنار فقال عمران بن حطان يمدح ابن ملجم.

يا ضربة من تقي ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوماً فأحسبه

أو في البرية عند الله ميزانا

وقال بكر بن حماد التاهرتي معارضاً له:

قل لابن ملجم والأقدار غالبة

هدمت ويلك للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي على قدم

وأول الناس إسلاماً وإيمانا

صهر النبي ومولاه وناصره

أضحت مناقبه نوراً وبرهانا

ذكرت قاتله والدمع منحدر

فقلت سبحان رب الناس سبحانا

إني لأحسبه ما كان من بشر

يخشى المعاد ولكن كان شيطانا

أشقى مراد إذا عدت قبائلها

وأخسر الناس عند الله ميزانا

كعاقر الناقة الأولى التي جلبت

على ثمود بأرض الحجر خسرانا

فلا عفا الله عنه ما تحمله

ولا سقى قبر عمران بن حطانا

لقوله في شقي ظل مجترما

ونال ما ناله ظلماً وعدوانا

يا ضربة من تقي ما أراد بها

ألا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

بل ضربة من غوى أوردته لظى

فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا

كأنه لم يرد قصداً بضربته

إلا ليصلى عذاب الخلد نيرانا

إن هذه الحادثة تدلنا على ضلال الفكر وانحراف المنهج، والغدر والخيانة التي يتصف بها هؤلاء ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً قد زين لهم الشيطان أعمالهم وهو وليهم، وحين تقرأ تلك الحوادث، تجد تفسيراً لما يقع في حياتنا اليوم من فئة من شبابنا سقاهم دعاة الضلالة وأئمة الغواية فكراً مجرماً باسم الإسلام والشهادة، ولبسوا عليهم حتى قتلوا أنفسهم في طريق الضلالة، فوالله لو كان في القلب إيمان وإحسان أو نخوة أو شهامة ما يقدم المرء على هذه الفعلة الشنيعة بمن قدم له يد العون وأحسن إليهن وأنعم عليه بالقول والفعل.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

وفي الحديث: (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم وليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).

فأين الإنسان الذي يستعبده الإحسان، فالقلوب المؤمنة هي التي لا تنس الجميل ولا تكفر المعروف، ولا تنس الفضل لأهل الفضل، إن القلوب الحية هي التي لا تغدر ولا تخون، فالخيانة والمكر في النار قال صلى الله عليه وسلم (المكر والخديعة والخيانة في النار) فأي خيانة أكبر وأي خديعة أعظم وأي مكر أفظع من شخص يعطى الأمان وفي شهر مبارك ويدخل بيت الأمير قاصداً قتله عياذاً بالله من ذلك، إن أهل الشرك كان يستعبدهم الإحسان فلا يقدمون على قتل من كانت له يد عليهم بكيف بأهل الإيمان، ولكن لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل بمن غرر بهؤلاء الشباب وسقاهم السم في أفكارهم وشوه فطرة الله في قلوبهم، شباب شقي بهم والداهم ووطنهم وولاة أمرهم.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد