Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/09/2009 G Issue 13492
الأحد 16 رمضان 1430   العدد  13492
فتح ومؤتمر الوضع الراهن
باري روبين

 

كان مؤتمر فتح السادس، والذي انعقد مؤخراً في بيت لحم، حدثاً مهماً بالنسبة لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي والحركة الفلسطينية. ولكن بإلقاء نظرة فاحصة على نتائج انتخاب المؤتمر لأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح فسوف تتكشف لنا صورة مختلفة تمام الاختلاف عما قد يستخلصه الكثيرون من هذا الاجتماع. ويبدو أن المؤتمر ركز على عرض ثلاث نقاط أساسية: الأولى أن فتح قد تحركت نحو السلام مع إسرائيل؛ والثانية أن الحركة اختارت العملية الديمقراطية؛ والثالثة أن جيلاً جديداً، أو حتى مجموعة تدعى الحرس الشاب، قد تولت القيادة. ولكن هذا التفسير غير سليم في أغلبه.

ذلك أن تناول اللجنة المركزية الجديدة لمسألة السلام لا يختلف تقريباً عن تناول اللجنة القديمة لها. ومن بين أعضاء اللجنة المنتخبين الثمانية عشر (سوف يعين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أربعة أعضاء آخرين في وقت لاحق) فإن اثنين فقط (نبيل شعث ومحمد شطيح) من بينهم قد نستطيع حقاً أن نطلق عليهما وصف معتدلين. وما لا يقل عن أربعة منهم (محمد الغنيم، وسليم الزعنون، وعباس زكي، وناصر القدرة) متشددون، وأغلب الباقين يتبعون خط حركة فتح التقليدي إلى حد كبير.

أما عن الديمقراطية، فرغم أن هذا المؤتمر كان بلا شك خطوة إلى الأمام وبعيداً عن أساليب الماضي (حين كان بوسع زعيم فتح ياسر عرفات أن ينتقي قيادات الحركة كما يحلو له)، إلا أن قيوداً حقيقية أخرى تظل قائمة. وأنا أرى أن عباس اختار بين ثلث أو نصف الممثلين. وليس من المستغرب أن تتألف الغالبية العظمى من أعضاء اللجنة المركزية من المقربين من عباس ومناصريه. ولا شك أن انتخاب عضو واحد بين الأعضاء الثمانية عشر من قطاع غزة الذي تحكمه حماس، والذي يؤوي نحو نصف الفلسطينيين الذين تحكمهم حركة فتح، من شأنه أيضاً أن يشوه النتائج.

ولكن هناك جانبا واحدا من جوانب هذه الانتخابات يشكل خطورة بالغة إلى الحد الذي قد يجعله سابقاً في الأهمية لأي جانب آخر. ذلك أن المرشح الذي جاء في المرتبة الأولى بعد حصوله على ثلثي الأصوات كان أبو ماهر غنيم، الذي تزايدت الأحاديث عنه باعتباره خليفة لعباس. إن غنيم متشدد بطبيعته ومعارض صريح لاتفاقية أوسلو، فما بالك بالاتفاق مع إسرائيل على السلام من خلال التفاوض. وإذا أصبح زعيماً لحركة فتح (وبالتالي زعيماً للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية)، فإن التوصل إلى أي تسوية مع إسرائيل سوف يصبح ضرباً من الخيال.

ولكن ماذا عن انتقال السلطة إلى جيل جديد؟ قد يكون هذا الكلام دقيقاً من حيث العمر الزمني - فمن المحتم أن يتقدم القادة القدامى في العمر. ولكن رغم عدم إعادة انتخاب كل أعضاء اللجنة القدامى تقريباً فإن خمسة عشر إلى اثنين وعشرين عضواً على الأقل سوف يكونون قادة على الطراز القديم (بافتراض أن عباس سوف يعين مثل هؤلاء الأشخاص لاحتلال المقاعد الأربعة التي يسيطر عليها). فضلاً عن ذلك فإن العديد من الأعضاء المنتخبين مؤخراً هم في الحقيقة من قدامى البيروقراطيين المخضرمين في حركة فتح.

والإضافة الأكثر إثارة للاهتمام للجنة المركزية كانت في انتخاب ثلاثة رجال أحدث سناً، رغم أن هؤلاء الرجال الثلاثة لعبوا دوراً رائداً في المنظمة لمدة عشرين عاماً أو أكثر. وأحد هؤلاء الرجال هو مروان البرغوثي، زعيم القاعدة الشعبية في الضفة الغربية، وهو الآن نزيل أحد السجون الإسرائيلية بتهمة تنظيم الانتفاضة الدموية التي بدأت في عام 2000، والتورط المباشر في التخطيط لقتل العديد من المدنيين الإسرائيليين.

وفي حين أن البعض سوف يشيرون إلى انتخاب البرغوثي باعتباره انتصاراً للجيل الأحدث سناً من الشباب، فإن أحداً من أتباعه لن ينضم إليه. أما الرجلان الآخران الأحدث سناً، وهما محمد دحلان وجبريل رجوب، فقد عملا على بناء قواعد سياسية خاصة بهما بوصفهما قائدين لقوات الأمن في قطاع غزة والضفة الغربية على التوالي. ولكن رجوب لديه الكثير من الأعداء، كما كان دحلان مسؤولاً عن هزيمة فتح المنكرة على يد حماس في الصراع الذي أدى إلى طرد حركة فتح من غزة.

ومن المهم للغاية أيضاً أن ندرك أن أغلب قادة فتح الجدد يبغضون حماس إلى حد كبير، وهو ما من شأنه أن يجعل التقارب بين المجموعتين من غير المرجح. ولكن إذا تولى غنيم زمام السلطة الفلسطينية وزعامة فتح، وهو ما قد يحدث في العام القادم، فإن وقف المفاوضات مع إسرائيل والدخول في جولة جديدة من الاقتتال لن يكون بالأمر المستغرب.

والوجه الجديد الآخر المثير للاهتمام، رغم أنه لا يتمتع بأي فرصة للتحول إلى زعيم كبير، فهو شتية. ولكنه قادر باعتباره رجل أعمال ناجحا على العمل كمحقق في شكاوى الشعب في حق الحكومة وكاشف للفساد والأخطاء، وهو ما سوف يشكل إبداعاً حقيقياً. ولكن رغم أنه من المشوق أن نرى ما إذا كان شتية سوف يتمكن من التحدث بصراحة وبصوت عالٍ أو ما إذا كان صوته سوف يُخرَس، فلا ينبغي لنا أن نتوقع الكثير من انتخابه: فقد جاء في المرتبة الأخيرة بين هؤلاء الذين انتخبوا، بعد أن تفوق بصوت واحد على طيب أبو عبد الرحمن، وهو أحد الرجال الذين تمتعوا بأعظم قدر من الثقة بين مساعدي عرفات وواحد من متشددي المدرسة القديمة.

خاص «الجزيرة»
باري روبين مؤلف كتاب (ياسر عرفات: السيرة السياسية والثورة حتى النصر).



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد