Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/09/2009 G Issue 13492
الأحد 16 رمضان 1430   العدد  13492
سيناريوهات محتملة وأفكار بحثية
(التطرف الناعم) - (تطرف الزقرت) - (إرهاب التقنية العالية)!
د. عبدالله البريدي

 

(1)

إزاء جريمة الاعتداء الفاشلة أعتقد أنه يجب علينا التفكير بشكل متأن وبعقلية تحليلية تشخيصية تستجمع كافة النتائج والسيناريوهات المحتملة ولا تستبعد أياً منها أو تهمشه إلا بالاعتماد على حقائق أو معطيات موضوعية.

وفي رأيي أن مدارسة الفكر التكفيري مدخل رئيس للتشخيص والعلاج، ولكن هذا لا يكفي قطعاً؛ إذ يتعين علينا أيضاً دراسة ظواهر التطرف والعنف في إطارها الثقافي والسياسي والاقتصادي، مع معالجة الإشكاليات والمسائل التي تحيط بالموضوع وذلك بمنهجية علمية رصينة وبنفس طويل.

وفي قراءة تحليلية توصلت إلى بعض النتائج التي يجب أن نعدها مبدئية حتى ُتختبر، وإلى بعض السيناريوهات المحتملة، مع تأكيدي على أهمية التعاطي الصريح والشفاف دون مواربة أو مجاملة؛ فالمسألة الوطنية لا تحتمل شيئاً من هذا، ولعلي أعرضها بشكل مختصر كما في النقاط التالية:

(2)

في خضم تأملاتي وملاحظاتي وجدت أن التحليل والتشخيص ينصبان في الأغلب على نوعية واحدة من (المتورطين) في أعمال التطرف والتكفير والعنف (الإرهاب)، وهم فئة المتشددين أو المتطرفين دينياً (الذكور).. صحيح أنهم يشكّلون المساحة الأكبر في خريطة التطرف والتكفير والعنف، غير أن هذا لا يعني أن نتغافل في التحليل والتشخيص عن نوعيات قائمة أو محتملة في سياق التطرف والتكفير والعنف، ومن أهم الشرائح المسكوت عنها في رأيي ما يلي:

1- (التطرف الناعم) - كما يسميها البعض -، وهي فئة لا يُستهان بها في المجتمع، وذلك بحسب استطلاع رأي عدد من المثقفين والمحللين؛ فنحن لدينا نوعية من النساء اللاتي يتصفن بالتشدد الديني في جوانبه العقدية والفقهية والسلوكية، إلى جانب نظرات دينية متطرفة حيال المسائل والآراء والاجتهادات التي تخالف ما يعتقدن أنه (الصواب) دينياً، بل إن قطاعاً منهن يحملن فكراً مؤيداً لقليل أو كثير من طروحات وأعمال جماعات التطرف والتكفير والعنف، كما يتسمن بدرجة عالية من الجمود والأحادية أو لنقل بدرجة منخفضة من المرونة الذهنية والفكرية، وتتخلق العديد من الأسئلة حول مدى دقة هذا الأمر، ونوعية مصادر التأثير، وتشكيل الإطار الديني والعقلي لديهن، وآثار ذلك على المحيط التربوي والاجتماعي، وسبل التشخيص والعلاج ونحو ذلك...

2- (تطرف الزقرت): في المجتمع عينة من المتطرفين الذين قد يشكّلون نواة تطرف حقيقي بل عنف محتمل (أو لنقل مشاريع متطرفين أو إرهابيين)، وهذه العينة من المتطرفين لا ينتمون إلى فئة (المتدينين)؛ بل هم أناس (عاديون جداً) من الناحية الدينية أو (زقرت) - كما نقول بالعامية -، والكثير منهم ربما لم يسبق له الالتحاق بأي (محضن ديني)، ومع ذلك نجد أنهم يتوفرون على قدر من التطرف والتشدد (الفكري)، وخصوصاً في بعض الجوانب التي تمس (العقيدة) - كما في نظرهم -، بل إن بعضهم يحمل نوعاً من (التأييد) أو (القبول) أو (الاستلطاف) لبعض طروحات أو أعمال جماعات التطرف والتكفير والعنف، فإن صحت هذه الملاحظة المبدئية وجب علينا البحث عن البواعث الحقيقية لتشكل إطارهم الفكري والنفسي، وأنماط تفكيرهم وشخصياتهم، وسيناريوهات سلوكياتهم المحتملة وغير ذلك...

(3)

أعتقد أنه من المحتمل أن يتم اللجوء إلى استخدام الطريقة (القذرة) ذاتها التي استخدمت مع الأمير محمد بن نايف مع شخصيات رسمية كبيرة (مسؤولين - علماء - مثقفين - عسكريين)، وربما أدخلوا عليها شيئاً من التعديل، كما أنه محتمل أيضاً أن تُستخدم في تدمير بعض المباني أو المعالم التي تحمل بعداً رمزياً. ومما يعزز هذا الاحتمال فرضية تقول: إن استخدام التقنية من خلال زرع المتفجرات وتفجيرها إلكترونياً عن بُعد يؤشر إلى نشوء (جيل تقني) جديد قد يشعر بتحقق ذاته من خلال ممارسة أعمال التفجير والعنف عبر أفكار (التقنية العالية)، فهل يعني هذا أننا سنشهد مرحلة جديدة ل(إرهاب التقنية العالية) أو (إرهاب الهاي تك)؟ ربما يكون ذلك! وقد يتيح هذا للمرأة (المتطرفة) - التطرف الناعم - أن تأخذ بطرف من نصيبها في أعمال (الهاي تك)!! طبعاً إذا صحت تلك الفرضية فإن لها دلالات كبيرة وخطيرة واستحقاقات أيضاً كبيرة يجب الاعتناء بها والوفاء بها بشكل جاد...

(4)

أمر آخر يمكن قراءته بشكل ملحوظ في تلك الحادثة الإجرامية وهو أنه حدث لدينا تفكك مريع في (النسق القيمي)؛ إذ كيف يسوّغ هذا الباغي لنفسه القيام بعملية اغتيال من الخلف، وفي بيت مضيفه، وفي وقت (حرام)، وبعد أن أعطاه (الأمان)؟! وهنا ندرك أننا قصرنا كثيراً في غرس البعد القيمي العربي الأصيل وسمحنا بضمور (مكنة العيب الاجتماعي)، والتاريخ يشهد بأن العرب كانت تترفع عن القيام بكثير من الدنايا وخوارم المروءة بل والجرائم؛ من جراء خوفهم من التلطخ ب(العيب) أو التدنس ب(العار)، فلماذا نخسر ذلك؟

(5)

في ختام هذه القراءة السريعة أود التأكيد على أمرين هامين:

الأمر الأول: أن الإعلان المباشر عن الحادثة وبث تفاصيل كثيرة حولها قد حقق نتائج إيجابية، فمنها التعرية (القيمية) و(الفكرية) لجماعات التطرف والتكفير والعنف، كما أنه ساعدنا على تفحص بعض النتائج والتشخيصات والسيناريوهات المحتملة، والتأكيد على اللحمة الوطنية والقطع بأن الأمن الوطني (خط أحمر)؛ بجانب إيجابيات أخرى..

الأمر الثاني: أن الطروحات والقراءات التحليلية والتشخيصية المتنوعة التي طرحت في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى لا يسوغ إطلاقاً أن ُتهدر، بل يجب الاعتناء بها بشكل فائق، وكإطار عملي أقترح أن تقوم مؤسسة وطنية بحثية متخصصة بتتبع ورصد تلك النتائج والتشخيصات والسيناريوهات، وإعداد قوائم استقصاء وتوزيعها على عدد كبير من المثقفين والعلماء والباحثين والمحللين والكتّاب، لتحديد درجة أهميتها وخطورتها ومن ثم تحديد أولويات دراستها، ويمكن أن تنشر النتائج كنوع من التوجيه المنهجي للدراسات والأبحاث والطروحات، بل يمكن أن تعقد لقاءات وندوات ومؤتمرات بناء على مثل تلك النتائج الهامة، وأعتقد أن كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري في جامعة الملك سعود مرشح لأداء تلك المهمة بشكل دقيق، خصوصاً أنه يشرف عليه شخصية علمية بارعة (الأستاذ الدكتور خالد الدريس)... مع تشديدي الدائم على الالتزام بالمنهجية العلمية والنفس الطويل في تحليلنا وتشخيصنا للظواهر المعقدة والمتشابكة.



Beraidi2@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد